دراسات ودراجات
| زياد حيدر
كان صاحب الدكان الواقع في منتصف الطريق للمدرسة، يقول لنا حين نسأل عن سكاكر شهرزاد اللبنانية، أو رقائق شوكولا شوكوبرنس إنهم «أي السلطات» مانعين التهريب هاليومين. وكنا بعد حين نمر فنجد أن الرفوف امتلأت بلذيذ المهربات من شوكولا وسكاكر ومشروبات غازية شهيرة وغيرها، فنعرف أن التهريب مسموح إذاً هذه الأيام. واستغرق بنا الأمر وقتاً، على طول هذا الطريق من البيت إلى المدرسة وسنوات من التعليم كي نفهم أن التهريب بحد ذاته ممنوع، وجريمة تعاقب عليها الدولة.
رغم ذلك ظل موضوع التهريب مع مراحل التفتح موضوعاً مثيراً، فمسرحيات فيروز حافلة بالمهربين أولاد الليل الذين لا تستطيع ألا تحبهم، وقصص المغامرات فيها من المهربين الطيب والشرير، وكنا خلال مراهقتنا نلتقي بحكم موقع القرية الجغرافي بعضهم، فنجدهم أشخاصاً كريمين، ومعشرهم حلواً، ويركبون أقوى السيارات وأكبرها. وطبعاً جاء الوقت الذي لا مفر منه، لنسمع فيه خبر مقتل أحد المهربين على أيدي الشرطة، لنعرف بعدها أن للتهريب وجهه القبيح، الذي من الطبيعي أن تكافحه الدولة، وشيئاً فشيئاً فهمنا الضرر العميق والرهيب الذي يحدثه هذا النشاط في جسد الاقتصاد.
لكن ظل السؤال لماذا لا تموت هذه المهنة، كمهن كثيرة اندثرت سابقاً؟ بالطبع مادام هنالك ممنوع، فسيأتي من يجلبه من خارج الحدود ليبيعه بأغلى الأسعار، ونحن عشنا الممنوع بكل مستوياته، من ورق التواليت، لبدلات الغوص البحري، للجيت سكي، مروراً بأنواع الشوكولا والسكاكر، وغيرها من السلع الكثيرة المحرمة قانوناً والمؤمّنة تهريباً. ولكيلا يقفز أحد سريعاً إلى نهاية هذه الأسطر، فالحديث هنا ليس عن البالة الممنوعة المسموحة بقدرة قادر، وإنما عن التهريب كظاهرة متفق على وجودها المستقر بيننا.
وللإشارة أيضاً إلى العنوان المتداول عن «ضرورة إيجاد حل لمشكلة الدراجات النارية»، وهي مسألة قائمة منذ أيام الوعي الأول على التهريب، ولم تحل رغم أن جارنا اشترى دراجات كثيرة مختلفة السرعات وباعها جميعها بعد استعمالها لسنوات، فيما النقاش ما زال مستعراً حولها. فالدراجات تدخل في مستويات نقاش عديدة بينها الأمني، وبينها ما يخص النقل، وبينها الاجتماعي وحتى الزراعي. ولكي نعطي القضية بعض الخصوصية، في قرانا (لا مدننا) عشرات الدراجات النارية المثقوبة العوادم، التي تشق بزعيقها الحديدي الليل، يقودها غالباً مراهقون لا فلاحون، ولا موظفون ومن دون نمر أو ترسيم قانوني ظاهر. وكلها توحي بأنها مهربة، على الأقل للناظر، وتملأ المكان والفراغ، الليل والنهار. رغم ذلك لا نشتكي، بل ندير أوجهنا ونرفع أصواتنا حين يمحوها عن بكرة أبيها موتور مارق، فصاحبه بلا شك قد دفع ثمن آليته تلك، ويحق له أن يقودها في أي مكان، وفي الساعة التي يريد، كأي بني آدم آخر. بالعكس، لقد بدأت قرانا تشبه قرى بنغلادش وتايلاند، بكثافة الدراجات فيها، وهذا لا شك تطور في وعي النقل لدينا. هل هي مهربة؟ لا أدري، ولا يهم في الواقع. ما يهم في هذه اللحظة، أن يلتزم دراجونا بالمقود، لا أن يكتبوا الرسائل أثناء القيادة، وأن يخففوا من صوت العوادم، ولاسيما بالطرق الصاعدة، وأن يتجنبوا تركيب المسجلات على الدراجة، عدا ذلك، الأمر محمول. أما للمتناقشين، في المكاتب المكيفة، فنقول كافحوا الدراجات النارية، واستوردوا الدراجات الكهربائية.. وطبعاً، إن شيئاً من هذا لن يحدث.