الطبقة الجديدة (2)
| زياد حيدر
مصادفة أن جاء تطبيق تعميم، شعبة التجنيد العامة، الخاص بالراغبين بالسفر بين سني 17 و42، متزامناً مع الحديث الأسبوع الماضي، عن طبقة جديدة من الشعب، تكونت من رحم الأزمة وفي ظلها، طبقة المغتربين الجدد، التي تختلف عن سابقتها، بكونها حديثة وعلى تماس مع الحرب ونتائجها، وتكونت نتيجة لظروفها.
وكان جدوى الحديث الإشارة إلى وجودها أولاً، ولفت الأنظار الرسمية إليها كشريحة لا يستهان بوزنها الاقتصادي بالدرجة الأولى لأن هذا هو الأكثر أهمية الآن في منظور الحكومة، من أي شأن آخر، ولاسيما أن المردود المالي الذي توفره للخزينة العامة من الودائع كما تشير دراسة منشورة لهذه الصحيفة هي بحدود 3.3 ملايين دولار يومياً، وذلك عبر القنوات الرسمية فقط، مساهمة بما يعادل 19٪ من إجمالي الناتج المحلي للاقتصاد، وبما يفوق الصناعة الوطنية، بمعدل 18٪ (أرقام عام 2016) وبالمقارنة مع 1.9 ٪ لمساهمة المغتربين التقليديين في عام 2011.
إذاً هي بمنزلة طبقة منتجة لثروة قومية، ليست بحاجة لأي بنية تحتية تقريباً، ما عدا مراكز حدودية جيدة ومخدمة، عدا ذلك يكفي الإيمان بدورها وأهميتها، والإقرار بوجودها، لا باعتبارها مجموعة زائرين صيفيين، وإنما مصدر استثمار مالي أولاً، ومهني ثانياً.
وخصوصا أن البرهان على الجهل بأهميتها، وقدرة كوادرها، ومستوى مساهمتها الاقتصادية أكده التعميم الصادر عن شعبة التجنيد، الذي لا يراعي على الأقل بالظاهر أي اعتبار لوجود أعداد كبيرة جداً من أبناء هذه الشريحة الراغبين بزيارة البلاد وإنفاق المال، وتقوية خيط الرابط بينهم وبين مستويات الحياة المختلفة فيها، ممن قاموا بواجباتهم تجاه الخدمة الإلزامية، إما بدفع البدل، أو تسوية أوضاعهم بالطرق القانونية الأخرى، من دون أن ننسى غيرهم أيضاً ممن صعق بالأمر الإلزامي على الحدود.
ولا حاجة لسرد القصص الشخصية، عن الذين عادوا أدراجهم من النقاط الحدودية، ففاتتهم طائراتهم، وحجوزاتهم، وتعقدت أمورهم بفعل قرار شبيه بقرارات كثيرة، لا يراعي ولا يأخذ بعين النظر أي اعتبار آخر، سوى الحصول على إذن بيروقراطي، يفترض أن يكون الحصول عليه في عصر «البطاقة الذكية» تحفة الشهر الفائت، لا يستغرق سوى دقائق على أي نافذة حدودية، لا العودة لمراكز العاصمة، والتوهان في الشرنقة البيروقراطية التقليدية، العائدة لثمانينيات القرن الماضي.
لكن القضية هنا ليست، القرارات التي تصدر من دون خلفية نقاش، ومن دون التفكير بمضاعفاتها، وأحياناً من دون وجود رؤية للواقع المعقد جداً المحيط بالمواطن، داخل البلد وخارجه، وإنما هي هنا مجددا، الإقرار بأن هذه الشريحة موجودة، ووضعها بعين الاعتبار، حين رسم السياسات الحكومية، ووضع مناهج التطوير(إن وجدت)، وأيضاً حين اتخاذ القرارات الاعتباطية، ودراسة مساهمتها الممكنة في نهوض البلد (يوماً ما)، لا النظر إليها كما في لبنان والدول الأخرى، باعتبارها كما قلنا مجموعة مصطافين.
فبين هؤلاء المغتربين الذين تنتشر أخبار تميزهم المخترع(ة) الشاب، والطبيب(ة) المميز، والفنان(ة) الواعد، ولاعب كرة القدم المحترف، وبين هؤلاء من يعتقد أنه أكثر منفعة لبلاده خارجها، وبينهم من يؤمن بدوره داخلها حين تأتي الظروف المناسبة، وبينهم من يرغب بالعودة نهائياً حين تصبح البلاد قادرة علي تقليص الفارق ولو نسبيا بين الخارج والداخل، ولاسيما في مستوى التعليم، الذي ما زال هنا عقائدياً، وخارج التاريخ.
شريحة تقول: «شوفونا بقا».