العريق الغريق
| زياد حيدر
كثيرون منا يشاهدون أعمالا وثائقية، ويميلون للحديث عنها، سواءً كان بالنقد السلبي، أم الإيجابي، وبين إبداء الإعجاب أو الانتقاد، يقدمون خدمة الدعاية لتلك الأعمال، التي تقود آخرين لفضول المشاهدة وإبداء الرأي.
وأحياناً، في حالات خاصة، تشاهد عملاً، تجد أنه لا يستحق الإشارة، ولاسيما حين يأتي من مصدر مخلخل الثقة، دعائي، تقف خلفه قوى ممولة واضحة الأهداف.
إلا أنه حين يأتي من مؤسسة عريقة، تسبق ولادتنا بأجيال، ورائدة في مجال ترسيخ قيم العمل الصحفي المهني، والمرتكز على أسس الموضوعية، واحترام الرأي الآخر، والتعمق في البحث، والمصداقية في التحضير والعرض، والابتعاد عن المبالغة والتضخيم، ومراعاة الخصوصية الفردية الإنسانية.. وإلى ما هنالك من القيم التي على حد التعبير الشعبي «قلقتوا راسنا فيها» فإنك تحتار فيما إذا كان العمل الذي تتبناه تلك المؤسسة، يستحق أو ألا يستحق، أن ينتقد فيحصل على دعاية مجانية!
ولكن، وبعد تفكير، ربما من الواجب توسيع النظرة لهذا العالم الذي يحيط بنا، سواءً كنا نتحدث عن التغيرات السياسية أم عن الإعلام.
فواحدة من التطورات المهمة التي جرت في السنوات العشر الأخيرة، وربما لم تحصل على حصتها بعد من الدراسة، هو صعود حركة الإخوان المسلمين، التي أعتبرها شخصيا، من أسوأ حركات التاريخ السياسية وأكثرها فساداً.
هذا الصعود الذي كما قلت يحتاج لدراسة أكاديمية وأمنية، له عوامله، وأبرزها وجود قيادتين سياسيتين في المنطقة، لا تخفيان انتماءهما الصريح لهذه الحركة، أو على الأقل إيمانهما، بأن هذه الحركة تمثل حصانها الرابح في السياسات الإقليمية والدولية.
الدولتان غنيتان عن التعريف. لكن الأهم، هو امتداد هاتين الدولتين الإعلامي والتنموي والمدني، في المجتمعات المختلفة، ورهانهما البعيد الأمد على الأجيال التي يتم إعدادها بطرق وأخرى، لكي تكون امتداداً لهذا التنظيم، سواءً عرف هؤلاء الأفراد ما الذي يمثلونه أم لا، وذلك انطلاقاً من فرضية أن هذا أمر مقدر لا محتمل، لأن كل ما يجري برعايتهما إقليمياً سيقود لتفكيك المجتمعات المحلية التقليدية، إلى طوائف وقبائل، ويسمح بعودة أو تشكل هذه القوى من رحم الفوضى المنـظمة الوليدة.
تشكيل هذا الوعي الضمني موجود ومستمر ولا يجب إهماله. وهو لا يقتصر على المواطن العربي، بل يمتد للأجنبي المستشرق، أو من أصول عربية، وكل مهتم بقضايا المنطقة، ويعتمد خطابا معاصرا، كما يمد يده بالمساعدة أو بالاستحواذ على وسائل الإعلام الممكنة، سواءً الموضوعية، أم الدعائية.
فالهدف بعيد المدى، ومرهون بتشكل قاعدته الشعبية، وتنظيمها لنفسها بمساعدة تلك القوى، في العالم العربي وخارجه، حيث يحصل هذا الامتداد الديموغرافي فيما نتحدث.
هل كل هذا مرتبط ببرنامج بثته محطة عريقة، يتناول قضية سورية؟
برأيي المتواضع لا ينفصل ولا يتجزأ عن هذا التوجه.
لأنه حين تغامر محطة مشهود لها بسمعتها الدولية، وتاريخها المهني الحافل بالإيجابيات، بتحميل بعض من أهم قضايا الشرق الأوسط حساسية وخطورة، إلى خلافات شخصية محلية، متناسية الحركات الوهابية، ووجود القاعدة، والأثر الكارثي لاحتلال العراق، والانقسام الطائفي في المشرق، والطموحات الإثنية، ووجود إسرائيل، وصعود حركة الإخوان وظلها على ما يجري، وتكالب الدول على «الصيدة» السورية.. حين تتعامى عن كل هذا. فعليك أن تسأل حينها ما الذي يجري، وإن كان التفريط بالموضوعية والمصداقية، قد جاء بثمن أم لا. وبأي ثمن جاء؟