قمر كيلاني.. الريادة والالتزام … لينا كيلاني: قمر إنسان استثنائية لن تتكرر.. ولو في امتدادها الذي هو أنا.. فالقمر يبقى متفرداً في أفق السماء
| سارة سلامة- «ت: طارق السعدوني»
قمر كيلاني الكاتبة والباحثة السورية الرائدة التي تخرجت في جامعة دمشق كلية الآداب في الخمسينيات من القرن الماضي، كانت موضوع ندوة الأربعاء الثقافية الشهرية تحت عنوان «سوريات صنعن المجد»، وذلك في قاعة المحاضرات بمكتبة الأسد الوطنية في دمشق، مناقشين عند كيلاني الريادة والالتزام، وتضمنت الندوة عدة محاور، هي «قضايا وطنية وإنسانية في أدب قمر كيلاني» لبديع صقور، و«آفاق الحداثة في روايات قمر كيلاني» لناظم مهنا، و«صور عن قرب» للينا كيلاني، وكانت الندوة بإدارة الأديب الدكتور حسين جمعة الذي قال بداية: «إن قمر كيلاني وخلال تنقلها بين الشخصيات لم تفتها الحبكة الدرامية للقصة أو الرواية لذلك كانت تعالج جملة من القضايا بأسلوب حداثي يعتمد الواقع لكنه لا يكتفي بنقله فوتوغرافياً وإنما ينتقده ويبني التصور لمستقبل آخر».
وكانت كيلاني قد عملت في التدريس بدور المعلمين والمعلمات إلى جانب الكتابة، ثم في اللجنة الوطنية لليونسكو، ومنذ عام 1976 متفرّغة للأدب وعضو المكتب التنفيذي لاتحاد الكتاب العرب رئيسة تحرير مجلة الآداب الأجنبية الصادرة عن اتحاد الكتاب العرب.
عبارات واقتباسات
بعدد من الأقوال المأثورة والعبارات والاقتباسات افتتح الشاعر بديع صقور حديثه عن الأديبة الراحلة مقتبساً من قصصها وروايتها حيث قال: «الوطن ليس مفتاح بيت.. وعنوان بريد وشباك هوية والوطن لا يسجل بقرار ولا يمحى بقرار، يوم انتفض الثوار.. يوم انكسرت المرآة، قالوا مات الأخضر العربي، فتزينت الأزهار وخرجت تجوب الحقول لتحط عليها فراشات أرواحهم، يومها على تخوم الحرب، صار الوطن حديقة نارنج، يومها فتحت شبابيك البحر ولوحت للنوارس، غذت: الوطن روح، والوطن أغنية.. الوطن حياة، والوطن هوية خلود.. ثم كبقية الأمهات تزينت بالزغاريد والقصائد، وبقي الثلج يندف كريش البجع».
منها ما هو غير قابل للتكرار
ومن جانبها تحدثت الأديبة لينا كيلاني ابنة الأديبة الراحلة عن مسيرة والدتها قائلة: «هي لم تكن أمي وحبيبتي فقط بل هي صديقتي التي أعتز بصداقتها، رعتني كما ترعى الزهرة بحب وعناية، بل بكثير من الحب والاهتمام.. لكن بالمقابل لم تقحم حضورها في حياتي، وإنما حرصت على أن تكون لي اختياراتي في الحياة، وأنا المسؤولة عنها حتى ولو أخطأت، وإذا ما عدنا إلى موهبتها، والتي تفتحت لديها في سن مبكرة، فإنها لم تكن تتجلى فيما تكتبه فقط بل هي في فن الحياة ذاتها أيضاً، وكنت كابنة لها ألمس هذا الأمر في كل تفاصيل حياتنا معاً، وأرى كيف كانت تحول كل الأشياء العادية التي لا ينتبه إليها الناس عموماً إلى أخرى رائعة، كمن يصنع من وردة بستان ورود، ومن قطرة ماء قارورة عطر، وما تلبث أن تنثر الورد، والعطر من حولها، وكيفما تحركت».
وأضافت كيلاني: «إن قمر أديبة من طراز رفيع، مثقفة وواحدة من نخبة (الإنتلجنسيا) العربية، ولكم أن تتخيلوا مكانة الكتاب في بيتنا وحضوره بيننا، ألوف الكتب التي تفيض بها مكتبتها، ومساحة المنزل، لم تكن هذه المكتبة هي فقط ما قرأته، فالولع بالقراءة كان يرافقها منذ أن تعلمت كيف تكتب الحرف، وما زالت دفاتر حروفها الأولى موجودة لدي، لذلك أقول إن من الأزمان ما يتكرر، ومن الأشخاص من يتكرر أيضاً، ومنها جميعاً ما هو غير قابل لأن يتكرر، وهكذا قمر إنسان استثنائية لن تتكرر، ولو في امتدادها الذي هو أنا، فالقمر يبقى متفرداً في أفق السماء».
التمرد على الجماليات
بينما قال الأديب ناظم مهنا: «يجب ألا يفوتنا التنويه بالمقالات والزوايا الصحفية التي كانت تكتبها الأديبة الراحلة، والتي عبرت فيها عن أفكارها وتفاعلها مع ما يجري في الواقع اليومي والسياسي والاجتماعي العربي، وما كتبته عن شخصيات تراثية، لامست البطولة».
كانت الهزيمة حدثاً مزلزلاً، يشير إلى صداه الدكتور شكري عزيز الماضي قائلاً: «لقد جاءت الهزيمة تعبيراً حاداً صارخاً عن تفسخ الأيديولوجيا السائدة آنذاك، وعن هزيمة الأبنية الحزبية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والعسكرية، وبهذا المعنى فإن الهزيمة أحدثت خلخلة في البنية وفي منظومة القيم السائدة، ومنها القيم الفنية والجمالية، كما جعلت الشخصية المحلية تهتز من جذورها»، ويمكننا أن نلاحظ ذلك في أعمال الأديبة قمر كيلاني أكثر من غيرها، ويرى هذا الناقد، أن هذه العوامل وغيرها، هيأت المناخ الملائم للتمرد على الجماليات الروائية المألوفة، وإبداع شكل روائي جديد بعناصره وبنائه وتفاعلاته الذاتية والموضوعية، وفلسفته وقيمه الفنية التي يسعى إلى تجسيدها، هذه الملاحظات نلحظها عند روائيين كرحلة ما بعد هزيمة حزيران 1967، ومنهم حيدر حيدر، وحليم بركات، وقمر كيلاني، وغيرهم من الكتاب العرب، ويجد نقاد الرواية تفارقاً بين الرواية الحديثة والرواية الجديدة، فالرواية الحديثة تعبير عن استقرار وتناسق وتناغم، وهي على مستوى الشكل تحافظ على الشكل التتابعي، بداية ووسط ونهاية، وعلى مركزية الحبكة، ثم حلها، وعلى الترابط والتوازن بين العناصر الروائية، وهي تعبر أكثر ما تعبر عن الطبقة الوسطى، أما مصطلح الرواية الجديدة فينطوي على كل ما هو جديد، في تقانات السرد وبناء العالم الروائي، ولذلك فهو يحتوي على كثير من الصفات المتعارضة والألوان المتباينة، ولذلك أيضاً فهو أشمل من سائر المصطلحات، وأكثرها دقة- شكري ماضي».
الأديب الدكتور حسين جمعة مدير الندوة قال:«الشيء المهم في أدب قمر كيلاني أنها من خلال التنقل بين الشخصيات لم تفتها الحبكة الدرامية للقصة أو الرواية لذلك كانت تعالج جملة من القضايا بأسلوب حداثي يعتمد الواقع لكنه لا يكتفي بنقله فوتوغرافياً وإنما ينتقده ويبني التصور لمستقبل آخر».