في ربيع هذا العام، دخلت سينما سيتي في دمشق، راغباً في حضور العرض المسائي لفيلم «أفينجرز – المنتقمون»، الذي يشكل الجزء الثاني من ثلاثية تنتهي العام المقبل، لحرب كونية بين أبطال خارقين، وأعداء للبشرية.
وربما هذا تبسيط لفكرة العمل، الذي ينتهي جزؤه الثاني بـ«فناء» الأغلبية العظمى من هؤلاء الأبطال، بهزيمتهم من عدو يمتلك مفاتيح التحكم بأبعاد الكون المختلفة، متسلحاً بحجة مثيرة للجدل، تتمثل في ضرورة إفناء نصف البشرية بشكل عشوائي، كي يتمكن النصف الآخر من الحياة، بالموارد القليلة المتبقية.
الدراما صادمة، من حيث هزيمة البطل الذي عادة ما ينتصر، فكيف بكتيبة كبرى من الأبطال، مثل سبايدرمان (الرجل العنكبوت) وآيرون مان (الرجل الفولاذي) والرجل الأخضر، ودكتور سترنج.. وغيرهم.
الأمر الثاني المفاجئ، هو شغف جمهور الصالة بالفيلم الذي امتد لما يزيد على ساعتين. فبمجرد جلوسي في مقعدي قبل العرض بدقائق، وفي يدي علبة من الفوشار الساخن، وجدت أن الكثير فاتني. فالجمهور الموجود وأغلبيته من الفتية والفتيات، يعرف تواريخ الشخصيات وعلاقة بعضها ببعض، بل يعلن توقعاته بالأحداث أثناء العرض، فيصفق ويصيح، وينبه، كأنما في عرض مسرحي تفاعلي للأطفال.
لاحقاً استفسرت من ابني الشغوف بقصص الشركة المنتجة «مارفل»، عما فاتني من خطوط الدراما المتشابكة، ولاسيما أن كل شخصية كانت صنعت تاريخها وحاضرها، عبر أفلام مستقلة، تجتمع في النهاية في هذه التحفة السينمائية، التي زادت أرباحها على المليار دولار.
بعد ما يشبه حديث عاشق عن معشوقته، سألني: هل انتبهت إلى مشهد ستان لي؟ ستان لي؟ من ستان لي؟ فشرح بعد تنهيدة، «لي» هو مؤسس مارفل، وهو الشخص الذي يقف وراء اختراع هذه الشخصيات التي دخلت الثقافة الشعبية في كل العالم وتغلغلت فيها منذ الستينيات.
ومثلما تبين لي، بعد تصحيح هذا الإهمال الثقافي، فإن «ستان» ظهر بمعظم إنتاجات مارفل الأخيرة، ليكسر من حدتها أحياناً، وليذكر المشاهدين بدوره في صنع ما نتمتع به الآن من سحر.
والرجل الذي توفي الأسبوع الماضي عن عمر يناهز الـ95 عاماً، ظل حتى لحظات حياته الأخيرة نشيطاً، بل أنجز تصوير مشهده الاعتيادي، للجزء الثالث من سلسلة «المنتقمون»، للعام المقبل.
بدأ ستان لي بالعمل أجيراً في شركة لإنتاج القصص المصورة، وبعد أن غادره حلمه في أن يصبح روائياً، وكاد يغادره حلمه الآخر في مجال القصص، أخذ بنصيحة زوجته، بأن ينتج أبطاله الخاصين، وبالفعل فعل مع آخرين باختلاق شخصيات «الأربعة الرائعون» و«الرجل العنكبوت» محققاً انتشاراً تجارياً كبيراً، قاده للاستمرار في هذا الخط، مختلقاً العشرات من الشخصيات، التي ما زال بعضها ينتظر مؤثرات هوليوود الباهرة للخروج للجمهور.
يقول ستان: إنه لم يتوقع يوماً، أن يرى الرجل العنكبوت بهذه التقنيات، ولا باقي فريقه من المقاتلين. وكانت سمته عن غيره من القصّاص أنه منح أبطاله روحاً إنسانية، فيها من نقاط الضعف أكثر مما في بعضنا نحن كبشر عاديين، ما خلط مشاعر الإعجاب والتعاطف لدى المستقبلين.
أيضاً تميز بجمله القصيرة التي لا تنسى، من بين أبرزها ما يطلبه عن شخصية الرجل العنكبوت أن يتذكره كوصيته «بأنه مع القوة العظمى، يجب أن تتحلى بالمسؤولية العظمى».
حكمة تليق بكل حاكم وكل قوي.