يبدو أن الأهبة القتالية التي اتخذها الجيش السوري على تخوم الشمال منذ انحسار أرضية الوجود المسلح نحو مثلث أرياف حماة إدلب حلب ستنتقل إلى بيان عملي يستهدف المثلث المذكور وخاصة بعد أن أرست التفاهمات الدولية الأخيرة ومنها أستانا على وجه الخصوص الكفة لمصلحة الإرادة العسكرية السورية والروسية على حساب الفشل التركي في تطبيق التزامات سوتشي التي تعهد فيها إخضاع الجماعات الإرهابية التي ناهز عدد عناصرها الـ65 ألف إرهابي لتطبيق بنود اتفاق منطقة خفض التصعيد.
لا يخفى على أحد أن معركة تحرير إدلب كان ستنطلق في أيلول من العام الفائت لكن موقفاً روسياً تركياً مشتركاً بادرت إليه روسيا وعبر عنه في اتفاق سوتشي غير اتجاه الحدث الميداني، تغييراً توخت منه روسيا تحقيق عدة مكاسب في السياسة والميدان فلا يمكن تجاهل البوادر الروسية لاستغلال الخلاف الناشئ بين تركيا وأميركا.
في قضية أكراد ميليشيات «قوات سورية الديمقراطية – قسد» وهو ما رأت فيه روسيا فرصة سياسية مبنية على المصالح لتحقيق تقارب مع الأتراك وظهر جلياً الأمر في الاتفاقات المزمع عقدها بين أنقرة وموسكو من خط السيل للغاز إلى منظومة إس 400 الروسية التي تعتبر خرقاً روسياً في منظومة الدفاع الجوي لحلف الناتو التي تعتبر تركيا عضواً فيه، وفي ميدان إدلب ترسم روسيا خطة التحرير بتكلفة أقل ووافقتها سورية على حقن الدماء من دون التفريط بأي مقدار من الحقوق الوطنية السورية لإدراك روسيا وسورية بأن سياسة النفس الطويل مع تركيا ستضعها في آخر المطاف في زاوية اليأس لعدم قدرتها على الالتزام بتعهداتها في تخفيض التصعيد بمناطق الشمال وصولاً إلى قبولها مجبرة بالعمل العسكري وانتزاع الفصائل المتشددة بقوة العسكر.
اتفاق سوتشي أناط بتركيا مهمة مرحلية تصب في نهاية المطاف في تحرير المنطقة من التنظيمات الإرهابية ولكن تركيا أرادت من الاتفاق كسب بعض الوقت لتنفيذ مشروعها بإعادة إنتاج الفصائل المتشددة بهيئة جديدة «معتدلة أو ألطف من باب السخرية» ولكن لم تنجح الهيكلة الجديدة لقيادات التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها تنظيم جبهة النصرةـ، أي «هيئة تحرير الشام» حاليا، في إقناع حتى عناصر الهيئة بتغيير الفكر القاعدي ويبدو أن المرحلة القادمة هي تخلٍ واضح من تركيا عن جميع الفصائل الإرهابية التي لم تدخل بيت الطاعة التركي وتكتفي بالتكتلات المسلحة التي أنشأتها من الفصائل الإخوانية العتيدة سوار في عملة «درع الفرات» أو «غصن الزيتون».
في المقابل دائماً ما كانت الدولة السورية تقرأ جميع المتغيرات السياسية التي ترتكز على مساع رئيسة لوقف اندفاعات إنجازاتها العسكرية وفق أهداف قريبة وبعيدة في القريب منها كانت تدرك بأن الالتزام التركي باتفاق سوتشي أكبر من طموحاتها بالتحكم في مصير جميع الفصائل الإرهابية التي تتناحر بينها بطبيعة الحال ولذلك كان الجيش السوري يتابع تحضيراته لعملية التحرير ويراقب الميدان عن كثب ويتدخل فيه بالنار حتى يجهض أي سلوك إرهابي ضد مواقعه العسكرية وفي الأهداف السوري البعيد لن يسمح لأي اتفاق أن يفرط بأي مقدار من الحقوق الوطنية السورية.
يبدو اليوم وخاصة بعد اجتماع أستانا الأخير بأن المواقف الدولية عامة ومواقف ثلاثي الرعاية لمسار أستانا بات أكثر حسماً ووضوحاً وبات تسليماً مضمراً بأن عملية التحرير لن تكون على طريق اتفاق سوتشي وأن تركيا لن تكون في موقع المواجه للإرهابيين الذين جندتهم وحشدتهم ضد سورية، وبأن عملية التحرير لن تكون إلا بالوسائل العسكرية التي احترف الجيش العربي السوري ممارستها وسيبدؤها على عدة مراحل جغرافية.
ولأن هذه القناعة تشكلت، فقط بات التنفيذ يلوح في الأفق وباتت ساعة الصفر لإطلاق معركة تحرير إدلب عسكرياً في علم أصحاب الشأن والقرار، وهم يحجبونها حتى يحتفظوا بعنصر المفاجأة ولكن التحرير بات كما يبدو مؤكداً على الطريق العسكري السريع غير المتسرع، فهل يسارع من تبقى من الإرهابيين الذي يحملون هوية سورية إلى إلقاء السلاح والخروج من الميدان ويقتدي بهم الإرهابيون الأجانب قبل أن تخرجهم منه نار الجيش العربي السوري؟