الحُب أقوى العواطف لأنه أكثرها تركيباً (سبنسر) وما قاله أيضاً: الحُب جحيم يُطاق. والحياة من دون حب نعيمٌ لا يطُاق (كامل الشناوي)، وقيل فيه: الحُب سلطان ولذلك فهو فوق القانون.
إذاً كيف يخلق الحُب؟ وماذا يفعل بنا نفسياً وجسدياً وعقلياً؟ رافقني عزيزي القارئ بين هذه الكلمات والسطور لنشدو حديثاً طالما اشتقنا إليه، وفزعنا منه، وهربنا إليه.
في البداية لابد من تعريف الحب، وخصوصاً أنه من المفاهيم الجدلية، فالاختلاف حوله يتراوح بين من رفعه لمستوى أسمى حالة إنسانية، ومن أنزله إلى مستوى مرضٍ نفسي يجب أن يتخلص الإنسان منه، والاختلاف نفسه موجود بين علماء النفس، لكن خلال بحثي العلمي توصلت إلى أن الحب يعتمد على اضطراب الشخصية أو سلامته لدى العاشقَين، فباختلاف شخصيتهما أو اضطرابهما يختلف الحب وهذا ما جعل بعض العلماء يسمونه مرضاً نفسياً وآخرون يسمونه تسامياً روحياً، لكن التعريف العام للحب بغض النظر عن ماهيته هو التعلق القلبي الشديد بشخص معين من دون سواه.
كيف يبدأ الحُب؟
بينت دراسات علماء علم النفس أن الحب يبدأ بالتشابه، ويستمر بالاختلاف وانتبه هنا عزيزي
(الاختلاف وليس الخلاف)، فالإنسان يميل إلى من يشبهه: «إن الطيور على أشكالها تقع» وكلما زاد التشابه أصبحت عملية الانجذاب أسهل وتعمقت المشاعر أكثر، لكن بعد هذه المرحلة ما يجعل الحب مشتعلاً هو الاختلاف (طبعاً الاختلاف المكمل وليس الاختلاف المنفِّر) وهذا ما تغفل عنه بعض النساء اللاتي يقُلن: عملت كل شيء له لكنه انجذب لامرأة أخرى» فهي ربما نست شخصيتها وحاولت تتلبس شخصيته لدرجة أصبحت فقط تحب اللون والطعم والمذاق الذي يحبه هو وهذا يُدخل الملل في العلاقة.
وهنا يجب الانتباه إلى أن الاختلاف جميل بشرط أن نتشارك في اختلافاتنا ولا نسخر منها أو نقلل من شأنها فهذا خطر آخر يهدد استمرار الحُب.
عندما تقع في الحب: يحدث الحب بسرعة فالدماغ بحاجة من دقيقة إلى أربع دقائق ليقرّر إذا كان منشداً فعلاً للشخص الذي أمامه أم لا، وفي حالة الحب يكون الانفعال الجسدي أقوى بكثير من الانفعال الكلامي، وحسب الدراسات فإن الانجذاب بالدرجة الأولى يكون للجسد ويأخذ نسبة 55%، ونبرة الصوت تحتل 38%، على حين الكلام يأخذ نحو 7%، وعندما تقع في الحب فإن دماغك، يرسل إشارات تفرز مواد كيميائية تؤثّر في جسدك فتشعر، بالعرق الغثيان، والأرق، وفقدان الشهية، وقد أثبتت فحوصات الرنين المغناطيسي، أن الشخص عند وقوعه في الحب فإن القشرة الأمامية المخية تتجمد، وهذه القشرة مسؤولة عن الحكم والنقد، أي إن الحب لا يحمل المحاكمات، ومن الممكن أن يدمن الرجل على الحب، بفعل الناقل العصبي، الذي يعمل على تقوية العطف والحنان لدى الرجل، وعندما يقع الشخص في الحب، يحب رائحة من يحب، وعندما يمسك الشخص يد من يحب، فإن مشاعر التوتر تقل، وسيشعر بالراحة بفعل هرمونات يفرزها الدماغ، ومن الممكن أن الشخص الواقع في الحب يفقد أصدقاءه المقربين والأنانيين، لأنه لن يجد وقتاً كافياً لقضاء الوقت معهم، وهم لن يقدروا ظروفه.
كيف تعرف إن كنت قد وقعت في الحُب؟ هذا السؤال دائماً ما يطرحه كل من يشعر بشيء غريب داخل جسده، ولم يحدث من قبل، فيتساءل هل هذا حدث لي بسبب الحُب؟ دعني أجب عن هذا السؤال ببعض من الكلمات الواضحة والبسيطة والتي ستحدد لك أن وقعت بحق بالحب أم إنها محض مشاعر إعجاب فحسب.
عندما تدلك عيناك إلى أحدهم، وتشعر بأن نبضات قلبك قد ازدادت من دون انتظام، وتشعر كذلك بحالة مشابهة للغثيان في معدتك ولكن ليس مزعجاً بل جميل، وتشعر كذلك بأنك قد بدأت تُفكر طيلة الوقت بذلك الإنسان، وحتى إنك ستلاحظ أن عدد ساعات نومك قد قلّت بشكل كبير، إضافة إلى أن السعادة تغمرك عندما تكون قريباً من ذلك الشخص، وأن العكس صحيح عندما تبتعد عنه، فهذه الإشارات كلها تجتمع لتؤكد لك أنك في بداية حالة من الحُب، وهذه ليست سوى البداية فقط.
قيل فيه (الحُب كالحرب من السهل أن تشعلها. من الصعب أن تخمدها) أظنه تشبيه بليغ نوعاً ما أليس كذلك؟ وهنا سؤال يستوقفني أنا وأنت عزيزي، هل الحب هو ذاته الاهتمام؟ أم إن كلاً منهما حالة مختلفة عن الأخرى؟ أم إنهما حالة لشعور واحد يسكن الروح؟
لا يختلف اثنان على أن الاهتمام يعتبر ترجمة فعليّة وحقيقة لوجود مشاعر حبّ قويّة بين الطرفين، كما يُصنّف على أنه إحدى أهم العلامات التي تنذر بوجود الحبّ، حيث هناك علاقة طرديّة قويّة بين كلّ من الحبّ والاهتمام، تتمثّلُ في أنه كلما زاد حجم الحبّ زاد معدّل الاهتمام بين المحبّين، علماً أن أشكال الاهتمام لا يمكنُ حصرها في جانب واحد، فالغيرة على المحبوب تعدّ اهتماماً، والمساندة في أوقات الشدّة، والمشاركة في أوقات الفرح، والتقرّب قدر الإمكان من محيط الأحباب، والسعي نحو إسعاد الآخر وحشد الجهود نحو تحقيق ذلك، ولاسيما أن الاهتمام عنصرٌ مهمّ جداً لاستمرار وديمومة العلاقات، حيثُ يحافظ على قوّة العلاقات، ويزيدُ من مستوى التواصل بينهم، ولا ننسى أن مشاعر الحبّ شأنها شأن المشاعر الإنسانية كافة تحتاجُ إلى تغذية مستمرّة يُطلق عليها حرفيّاً اسم الاهتمام، إلى جانب كلٍّ من الاحترام، والتقدير، والدعم النفسيّ والمعنويّ، والأمان في العلاقات والابتعاد كلَّ البعدِ عن الخيانة والغدر.
إذاً الاهتمام هو رديف الحُب ومكمل له ومن دونه الحُب يفقد روحه ومعناه في القلب، فالاهتمام هو طوق النجاة للحُب وهو المُدمر القاتل عند غيابه.
وهنا قد نصل إلى شيء بسيط جداً من التوضيح لما يحصل لنا عند دخولنا هذا العالم الساحر الغامض، السهل الممتنع، وهنا الإشارة عزيزي إلى أن الحب معدٍ للأشخاص الآخرين، فعند الاهتمام والعطف على أحدهم، تنتقل هذه المشاعر إلى الآخرين، حيث يسعون إلى مقابلة العطف والاهتمام بصورة أفضل وأكبر.
وتذكر أنه ليس للحب وقت محدد، وفي النهاية الحُب هو الرزق العظيم من اللـه الذي لا يهبه إلى كل البشر، وفيه أعظم من قال عن الحب الرسول محمد عليه الصلاة والسلام بحبه للسيدة خديجة رضي اللـه عنها فَقَالَ: (إِنِّي قَدْ رُزِقْتُ حُبَّهَا).
فإن رق قلبك فاستمع إليه وأحسن معاملة مع اختاره لك واغتنم هدية السماء إليك.