كم هو مثيرٌ للدهشة أن تخبرني الروزنامة بأن موعد زاويتي يوم الخميس سيصادف في الأول من شهرِ آب، مصادفة لا تجعلك ترتاح من التفكير بموضوع المادة المختار فحسب، لكنها تعطيكَ شرفَ الكتابة عن مناسبةٍ تستمدّ قدسيتها من قدسيةِ ذاك الوطن المسمى سورية، وإن كانت سورية بالنسبةِ لي أكبرَ من مجردِ وطن فإن عيد الجيش العربي السوري أكبر من مجرد تاريخٍ أو ذكرى، هي بالتأكيد مصادفة جميلة لكنها في الوقت ذاته متعبة، وهل هناك من تعبٍ أصعب من تجميع الحروف لنحت السطور والحديث عن شجعان هذا العصر؟
كيف لكَ أن تكتب لتوصِّفَ أولئكَ الذين يمتلكون إصرارَ «الزوفة» على الانبعاثِ من بين الصخور في تلكَ الجبال الشامخة؟ لا يمكن لما نمتلكهُ من عباراتٍ أن تسعفنا في توصيفِ من يحملون كبرياءِ «الزعتر» عندما يعانِق بعبقهِ «سمّاق» الوطن ليرويا معاً قصصَ الانتماء لمن كانت جذورهم هي سر خلودهم.
يبدو من العبث أن نوصِّفَ من يمتلكون حياءَ الياسمين الدمشقي، وجنون الفرات عندما يقتحم صحراءَ الأرض فيَحيلها ربيعاً، أولئكَ الذين لديهم ابتسامة لا يشبهها إلا ابتسامة الزيتون لمطرِ تموز، ووجنات عزٍّ تتوهج في ظلمات الدهر، هل تساءلتم يوماً عن معاني وهج التنور على محيّا الجائعين؟
أن تمتلكَ جرأةَ الكتابة عن شجعانِ هذا العصر في عيدهم، عليكَ أن تمتلكَ جرأةَ النظر بعيني ابن شهيدٍ بقي وحيداً لأن القدر ساقهُ إلى أبٍ اختار عظمةَ العطاء، هل جرّبتم يوماً معاني الخجل إن صادف أحدنا شاباً وضع طموحاته وآماله على رفِّ الانتظار على أمل أن يستعيدها يوماً عندما يتعافى الوطن؟
هؤلاء كانوا ولا يزالون أكبرَ من وهنِنا وضعفنا، هم في معركةِ كتابة فصلٍ جديدٍ من فصولِ سورية المتجددة أكبرَ من ثنائنا ومدحنا فما بالك بـ«تنظيرنا»! هم لا يحتاجون لالتقاطِ الصور معهم بل إن جلّ ما يحتاجونهُ هو أن نجعلَ من صورهِم تذكاراً لمعنى التضحية، وأن نحولَ قصصَ شجاعتهم وروايات انتصاراتهم ليحيا الوطن زاداً لنا في قادمات الأيام، فالانتماء لتضحياتهم يعني ببساطة أن نبتعدَ عن كل ما يفرّق ونعتصم بحبلِ الانتماء الذي كانوا يمثلونه لأن أي خطابٍ أو حركةٍ يشذان عن معاني الوفاء يعني ببساطة رصاصة غدرٍ في ظهرهم من جديد.
أن نقدر تضحياتهم يعني ببساطة أن نجعل منها ميثاقاً وطنياً، وهل هناك أسمى من تلك المواثيق الوطنية التي تتعمد بدماء شجعان هذا العصر؟
هؤلاء هم صورة الوفاء في زمنِ الغدر، وقصيدة الإباء في زمن الذل، هؤلاء أرادوا لأنفسهم أن يتجاوزوا غياهب الشعارات والتنظير فقرروا أن حب الوطن ليس بالكلام، هؤلاء قالوا باختصارٍ:
من أراد منكم أن يكتب اسمه في سجلِّ الخالدين فليحمل سلاحهُ ويتبعنا حتى يشعروك أن سفينتهم منجاة، وخطابهم آيات، والقراءة في لوحِ انتصاراتهم كمن يقرأ على لوح العرش: ادخلوها بسلامٍ آمنين.
في الخلاصة: إن ما جرى ويجري في سورية غيَّر وبدّل الكثير من المفاهيم، فكل يوم لدينا عيد للشهداء، ومع كل انتصارٍ على الإرهاب نبدو كمن يحتفِل بعيد الاستقلال أو الجلاء، يبقى الثابت الوحيد الذي لم يتبدل هو عيد الجيش العربي السوري، اليوم الذي حمل ولادة هذا الجيش كهدية من القدر لأن المفارقة بسيطة:
ماذا لو لم نعش زمن الجيش العربي السوري؟ ربما هي حكمة إلهية من مبدأ أن المصيبة إن أتت سيأتي معها الشعور بنعمةِ الصبر، ألم يتجسد هذا الصبر بنعمة الجيش العربي السوري؟ الحمد لله على هذه النعمة، كل عامٍ وأنتم بحق.. شجعان هذا العصر، كل عامٍ ونحن.. برعايتكم.