أهمية قراءة الفيلم التجاري بأبعاده العلمية … السينما ليست فكراً وفناً فحسب بل صناعة وتجارة
| وائل العدس
خلال سنوات طويلة، تكفلت المؤسسة العامة للسينما التابعة لوزارة الثقافة بمعظم الإنتاجات السينمائية السورية، طارحة في كل عام عدداً من الأفلام ضمن الإمكانات المتاحة، محققة في كثير من الأحيان جوائز وتكريمات في مهرجانات عربية وأجنبية.
وتلتزم هذه المؤسسة بخط معين يحمل رسالة ثقافية لا يمكن الحياد عنه بعيداً عن الأفلام التجارية وحسابات شباك التذاكر، وخاصة أننا أساساً نعاني من شح صالات العرض، ما ينعكس سلباً على الإيرادات المالية المتوقعة.
لكن كثيرون يؤيدون السينما التجارية على اعتبار أنها رائجة في العالم أجمع، بشرط الارتقاء بمضمونها وفكرها.
فن استثماري
في عمق التجربة السينمائية العالمية، ولدت صناعة الفيلم التجاري، لترتقي بفن استثماري، يؤمن بمبدأ جمالية الصورة، واستحقاقها في تشكيل رأس مال متجدد يثري الساحة، ويضمن تنوعها واستمرارها.
ولكن بمجرد إقرار بعض منتجيها تجريدها من القيمة الإنسانية، والاستحقاق الثقافي، والأبعاد الابتكارية في تجسيد الخيال والواقع، مستهدفين تحصيل رقم لشباك التذاكر، بأقل الإمكانات وأسهل الطرق، على مستوى المضمون الفكري للفيلم والكيفية في طرحة، ممكن أن يتسببوا في تشويه عام لمفردة الصناعة التجارية في عالم السينما، وتصبح تحمل منحنى آخر، يخل بموازين ومعايير شاشة الفن السابع.
لكن من المعروف أن للسينما شقين، الأول فني وهو الخاص بالسيناريو والموضوع والمضمون والدراما التي يحويها الفيلم وكذلك الصورة وشريط الصوت والمؤثرات وكل عناصر الإخراج، والثاني الشق الاقتصادي أو التجاري للفيلم ويشمل تسويق الفيلم وتوزيعه واستخدامه كسلعة تجارية في سوق العرض والتوزيع، ويهدف هذا الشق إلى تحقيق الأرباح والمكاسب المادية للمنتج أو القائمين على العمل السينمائي.
وباعتبار أن السينما سلعة تجارية يهدف المنتج إلى توزيعها وعرضها، وبالتالي استرداد التكاليف وتحقيق عائد مادي ولو بسيطاً، فإن فن السينما يتأثر تأثيراً مباشرة بالحالة الاقتصادية للمجتمع.
ولأن السينما ليست وسيلة ترفيه وتسلية للجمهور فقط وإنما مصدر رزق ولقمة عيش لآلاف العاملين فيها، وبتوقف صناعة الأفلام يقع هؤلاء العاملين بهذه الصناعة في قائمة العاطلين عن العمل نتيجة اختفاء المنتجين وصناع السينما أثناء هذه الظروف.
مرحلة تقييمية
يجب إيلاء أهمية لمسألة قراءة الفيلم التجاري بأبعاده العلمية، المرتبطة بمفاهيم السوق ما يجعلنا أكثر قدرة على التصنيف، والمرور بالمرحلة التقييمية للفيلم بموضوعية أكثر، فإنه بشكل عام ينظر للفيلم التجاري، بشيء من التسطيح في مجمله، وأنه عمل لا يليق بمستويات المشاهدة النقدية أو المتابعة النوعية، وأنه فقط صناعة تهدف إلى الربحية، من دون اشتغال حقيقي بالمعايير العامة. وهذا يعتبر جانباً واحداً، للعمل التجاري في السينما، انتشر بشكل مفرط في السنوات الأخيرة، وبمجرد مشاهدتنا له، نعلم أنه تجاري بحت.
ولكن في الجهة الأخرى، فإن هناك مجموعة من الإنتاجات التجارية تحمل بعداً، مصنوعة بشكل احترافي ومختلف، مطبقاً عليها معايير التجارة في توازي الكفاءة والجودة، مع مسألة البيع والشراء، كمردود استثماري طبيعي، لتحقيق استمرارية إنتاجية، وضمان ازدهار الصناعة وتنوعها.
أبعاد احترافية
إن العمل اليوم على تسويق الفيلم وترويجه بأبعاد احترافية، يصنع حضوراً نوعياً للعديد من الإنتاجات في صالات العرض المحلية، حيث إن الفيلم السوري يعتبر جزءاً من المنظومة، والترويج له بمستوى الأفلام العالمية، يحقق إقبالاً جماهيرياً، والتقييم في النهاية يبقى للجمهور، فإتاحة فرصة العرض، ومنهجية التسويق، أسس عالمية تتبناها جميع الشركات المتخصصة في السينما التجارية.
كما أن الجمهور متعطش لإنتاجات السينما السورية، لكن هناك من يروج عكس ذلك، من دون إحصائيات ميدانية، وقراءات فعلية لتفاعل الجمهور، لكن السؤال ليس في ماهية التجربة، بل في مدى استيعاب الخطة التسويقية والتبني الفعلي للفيلم عبر صالات العرض المحلية القليلة.
المنتجون التجار
درجت العادة في بعض الدول العربية أن يستغل بعض المنتجين ممن يسمون «بالمنتجين التجار» الظروف ويصطادون في الماء العكر بإنتاج أفلام رخيصة هابطة تدعى«أفلام المقاولات»، تلك النوعية لا تهتم بمضمون ولا بحبكة الفيلم ولا بجودته. وتبدأ في جذب العاملين المهرة لتركيب فيلم يحتوي على عناصر الجذب للجمهور البسيط من عري مبتذل وألفاظ خادشة وبعض الأغاني الشعبية والمواقف السخيفة التي تسمى حسب وصفهم «كوميديا الموقف»، هذه النوعية من الأفلام المنخفضة التكاليف تعرض في دور العرض من دون منافسة لذلك تستحوذ على شباك التذاكر ما يعود على المنتج بمكسب مادي ضخم.
هذه الأفلام موجهة مباشرة لفئات معينة لتخاطب غرائزهم مباشرة من دون تدخل العقل وبالتالي تؤثر فيهم ويتأثرون بها وتنهار القيم والأخلاقيات العامة لدى الشباب وطلاب المدارس المراهقين.
والسؤال المطروح هناك: هل هذا المنتج رجل صالح في مجتمعه لأنه أنعش هذه الصناعة؟ أم إنه فاسد لأنه يبني مكاسبه المادية علي حساب أخلاقيات المهنة ويستغل ظروف مجتمعه في توجيه أفلامه للشباب ويدمرهم دون وعي وإدراك؟! لأن السينما من المفترض أن تساهم بشكل كبير في تشكيل وعي ووجدان الأجيال وخاصة الصغيرة.
تنويهات
– تعد صناعة السينما من أبرز الصناعات التي تدعم الاقتصاديات في العالم، من حيث توفير فرص العمل، وجذب استثمارات أجنبية، وبالتالي تمثل السوق السينمائية في بعض الدول مورداً اقتصادياً مهماً.
– السينما ليست فكر وفن فحسب، ولكنها بالدرجة الأولى صناعة وتجارة.
– يعتبر الإنتاج هو الحجر الأساسي الذي تقوم عليه صناعة السينما والمسيطر على عملية الإنتاج هو الذي يحدد هوية هذه السينما.
– الذي يصنع السينما ليس الفنان كما يعتقد الأغلبية، بل هو التاجر صاحب رأس المال القادر على توصيلها للمتفرج.
– إن وجود صالات العرض مسألة ضرورية لنجاح أي سينما، وأي عجلة إنتاج، لابد لها من سوق للتوزيع والتسويق.
– السينما كاستثمار تحقق أرباحاً خيالية إذا آمن بها المنتج، الذي يرصد ميزانيات بأرقام فلكية، لأنه يعلم جيداً بأن ثمة أرباحاً طائلة سيجنيها أفلامه.