نهج سياسي مبتكر يستحق لقب ماركة مسجلة للرئيس الأميركي دونالد ترامب، ومن معه أمثال مستشاره للأمن القومي جون بولتون ووزير خارجيته مايك بومبيو ومبعوثه الخاص إلى فنزويلا إليوت أبرامز، كذلك الأمر مع رئيس الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو ومن معه من أفراد العصابة الإرهابية نفسها، نهج يعتمد على سياسة التهريج والتهييج في خطابه، الهادفة إلى الإثارة الرخيصة، أي البهلوانية، ومهارة اللعب على الكلمات والحركات للعب بالعقول، تروج له ميديا فاجرة لتحقيق غاياته ومراميه.
التهريج والتهييج متلازمان لا غنى لأحدهما عن الثاني ولا تقوم له قائمة من دونه، والرئيس ترامب، رجل الأعمال القادم من سوق العقارات وبيوتات المال والشركات الاحتكارية يلجأ إلى أسلوبه هذا في سياسته مع الدول لإثارة التوتر والخوف والترقب لدى الجهة التي يستهدفها، لكي تذعن لمطالبه التي تنحصر غالباً في ابتزاز أكبر قدر من الأموال والثروات التي في حوزتها. يستخدم الرجل التهريج في الكلام وفي لغة الجسد والصراخ لكي يصل بـ«الزبون» إلى حال من التسليم على مراحل، أو بالضربة القاضية في اللحظة المناسبة. وهي وسائل أقرب إلى النصب والاحتيال التي يجيدها اللصوص في أي مكان.
يطبق هذا النهج، أو المبدأ! في سياسته مع خصومه، والكل خصومه في هذه الحال باستثناء إسرائيل بطبيعة الحال أيضاً، فلا صداقة عند الدول التي يرأسها أمثاله، بل مصالح ومصالح فقط وفق المبدأ المكيافيلي «الغاية تبرر الوسيلة».
يصف بعضهم تصرفات ترامب بالطيش والخفة والتقلب وعدم الثبات على رأي أو موقف، وظاهر الأمر يبدو كذلك، غير أن الحقيقة هي أن هذه سياسة متعمدة مرسومة تندرج ضمن مفردات لغته كأدوات لعمله، وصولاً إلى المبتغى في نهاية المطاف، وليس مهماً لديه أن تنسب إلى شخصه صفات مسيئة كهذه ما دامت تجلب إليه نفعاً مادياً مالياً تحديداً.
يستخدم الرجل أسلوبه هذا، التهييجي التهريجي، مع دول مثل فنزويلا والمكسيك والبرازيل وكوريا الديمقراطية، بل مع روسيا والصين أيضاً في مسألة العقوبات، وهما دولتان لا تقل واحدتها أو الثانية عن دولته الأميركية، في معايير الدول ولا يستثني حليفته أوروبا نفسها من ذلك، أما الدولة التي يختصها أكثر من أي دولة أخرى على ظهر البسيطة فهي الجمهورية الإسلامية الإيرانية، تزلفاً لإسرائيل نتنياهو، لكي يضمن لنفسه الفوز بدورة رئاسية ثانية!
أما نتنياهو، فالتهييج والتهريج سياسة معتمدة عنده أيضاً، ولعله أحوج إليها من «نظيره» الأميركي نظراً لاختلاف الأوضاع والقدرات بينهما في المكانين اللذين يمارسان عملهما فيهما، هذا في الوزارة الإسرائيلية، وهذا في الإدارة الأميركية، الأول خائف مرتجف لما يحيط بكيانه من أخطار محدقة يحسب لها ألف حساب، تقض مضجعه في ليله قبل نهاره، حيث لا تحقق له الأمن ترسانة أسلحته الأميركية، بما في ذلك قنابلها النووية، بينما الثاني مطمئن مرتاح فدولته تخيف ولا تخاف، في حساباته، وأسلحتها النووية كفيلة بإبادة العالم عند الاقتضاء!
يعمد نتنياهو، كمثال على تهييجه وتهريجه، في كل لقاء له مع مندوب أو مسؤول أميركي أو بريطاني أو فرنسي، أو غير هؤلاء إلى عرض صورة أو خريطة أو وعاء مطبخ عليها إشارات ورسوم ملونة بالأحمر والأخضر وسائر ألوان الطيف، مرفقاً ذلك بكلام عن إيران، دونما مناسبة، وحزب اللـه والفلسطينيين، زاعماً أن هؤلاء هم الخطر الذي يهدد السلام العالمي، وكأن نتنياهو حريص على العالم من احتمالات هذا الخطر أو كأنه صاحب الأمر على ظهر هذا الكوكب، هم إرهابيون وينبغي أن تشن عليهم حرب ساحقة ماحقة الآن وليس غداً ويفضل أن تكون حرباً ذرية! تفادياً لخطرهم وإرهابهم.
لم يحدث، ولو مرة واحدة، أن أعفى إيران من هذا الاتهام الدنيء، الذي يعرف من يتوجه إليهم بكلامه بأنه مغرض وكاذب ومضلل، فإيران ليست هي من دمر اليمن، ولا هي من اغتصب فلسطين، ولا هي من يفرض العقوبات على سائر الدول، ولا هي من اخترع داعش وجبهة النصرة وأخواتهما، ولا هي من جاءت إلى الإقليم بما عرف بالربيع العربي، ليدمر العرب كافة لتأمين الكيان الصهيوني وطمأنة نتنياهو على مصيره الشخصي ومصير كيانه معاً.
نتنياهو بارع والحق يقال، في التمثيل أمام الكاميرا، كبراعته في فضح المهرولين من الأعراب إلى لقائه وصداقته، وربما التحالف معه ضد إخوتهم عرباً وإيرانيين، فيعلن عن علاقات سرية قائمة معهم منذ زمن بعيد، وهم الآن في صدد الإعلان عن تلك العلاقة جهاراً نهاراً وعلى رؤوس الأشهاد، بعد أن عرفوا أنه رجل سلام!
من مفردات نتنياهو التهريجية الأثيرة توجيه شكره للمسؤولين الأميركيين وغيرهم عند زياراتهم لكيانه، أو لقاءاته بهم في أي مكان وإزجاء الشكر لهم بتواضع مصطنع وامتنان خادع، وهو منحني الرأس والظهر، لتأييدهم ودعمهم لكيانه المستهدف من الإرهابيين العرب والإيرانيين، ونتذكر له ذلك يوم تقديم القدس «هدية» له من ترامب، مضافاً إليها قسماً من الجولان العربي السوري بقوله وعلى وجهه ابتسامته الماكرة المثيرة للاشمئزاز: «شكراً لك أيها السيد الرئيس ترامب.. وشكراً لك أميركا».
لماذا أميركا أيضاً يا سيد نتنياهو بعد أن نافقت رئيسها؟ لأنه أراد أن يثبت أن ما أقدم عليه ترامب يعتبر التزاماً أميركياً دائماً لا يزول بزوال ترامب عن منصبه، فالمسألة ليست شخصية وترامب ذاهب طال به العهد أم قصر وأميركا باقية.
هذه لمحة سريعة مقتضبة عن سياسة التهييج والتهريج المعتمدة للرجلين اللذين شاء سوء طالع البشرية، بما في ذلك نحن العرب والشقيقة إيران، في هذا الزمن الرديء، الابتلاء بهما حيث هما ولكن إلى حين فكل آتٍ قريب وإذا كان للباطل جولة فإن للحق دولة وصولة.