الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، السلطان العثماني الجديد، واحد من أبرع المتسلقين على أكتاف زملائه، وعلى مآسي الشعوب.
يعيش أردوغان، واحدة من أسوأ لحظات حياته السياسية. تدخلاته لدعم ما يسمى «الربيع العربي»، كشفته كداعم للجماعات الإرهابية، ما أدى إلى سفك الدماء والفوضى. أردوغان اليوم قلق مما يجري في بيته الداخلي من خسارات في الانتخابات البلدية وخاصة إسطنبول، وتفكك في حزبه، إذ إن أبرز رفاق نضاله قفزوا من سفينته ليقودها منفردا ويسعون إلى تأسيس أحزاب جديدة من رحم «العدالة والتنمية»، والأهم الأزمة الاقتصادية، وهذه مؤشرات على أفول الأردوغانية ودخولها مرحلة الاحتضار السياسي.
كانت ذروة الجنون الأردوغاني بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في 2016، والتي يبدو أنها لم تكن فاشلة بقدر ما كانت مفتعلة لتبرير موجة القمع غير المسبوقة.
الدكتاتور أمر باعتقال 130 ألف شخص، من بينهم 77 ألفاً من عناصر الجيش، و60 رئيساً للبلديات التركية، على حين اعتقلت سلطاته 17 ألف سيدة حتى عام 2017، ليصل عدد من تم اعتقالهم منذ 2016 إلى 511 ألف شخص، بينهم عسكريون ورجال شرطة وأطباء وقضاة ومحامون وصحفيون، كما أغلق 189 وسيلة إعلامية، منها 62 جريدة، 19 مجلة، 14 محطة راديو، 29 قناة تليفزيونية، أما الانتخابات المحلية الأخيرة، فقد شهدت خسائر متلاحقة للسلطان أردوغان وحزبه بما يكشف غضب الأتراك وضيقهم من ممارساته. أهمها الهزيمة القاسية لمعركة إسطنبول، للمرة الأولى.
وبمقابل بروز نجم أكرم أمام أوغلو المعارض بعد فوزه برئاسة بلدية اسطنبول، تبدو تركيا أمام تغيرات سياسية من الداخل، وفي موازاة جهود الوزير التركي السابق علي باباجان، والرئيس التركي السابق عبد اللـه غول، يبرز اسم رئيس الوزراء التركي السابق أحمد داود أوغلو، لتأسيس حزب جديد، مع انقسامات عمودية وأفقية في حزب «العدالة والتنمية» الذي تتحكم به طبقة من رجال المال والأعمال المقربين من أردوغان.
المشهد السياسي التركي سيدفع بالمعارضة التركية إلى مواقع المواجهة السياسية المباشرة، في ظل الانقسامات في الداخل، وخلافات مع الدول الحليفة ولاسيما الولايات المتحدة، بعد إصرار أردوغان على إتمام صفقة صواريخ «إس 400» مع روسيا.
كما حذرت الولايات المتحدة من بدء أي عملية عسكرية أحادية الجانب بمناطق شرق الفرات شمالي سورية. ورغم التحذيرات، قال أردوغان إن «لتركيا الحق في القضاء على كل ما يهدد أمنها الوطني»، واقتصادياً يُلاحظ تراجع احتياطيات تركيا من العملة الصعبة كما تسجل الليرة التركية تراجعاً وتدهوراً مقابل العملات الأجنبية، ما سبب أوضاعاً متردية لمؤشرات الاقتصاد التركي، وأثار المخاوف بين المحللين والمستثمرين من أن تركيا تبالغ في تقدير إمكاناتها، في مواجهة أزمة الليرة المتهاوية.
صافي احتياطات العملة الأجنبية المعلنة للبنك المركزي بلغ 28.1 مليار دولار في الأشهر الأخيرة، على حين تؤكد صحيفة «فاينانشيال تايمز» أن المبلغ أقل من 16 مليار دولار.
تأتي الاضطرابات في البنك المركزي في الوقت الذي تستعد فيه تركيا لتسلم نظام دفاع جوي روسي من طراز «إس400»، ينطوي على مخاطر مواجهة عقوبات أميركية. أردوغان مستمر في أعمال التنقيب عن الغاز غير المشروعة قبالة جزيرة قبرص في البحر المتوسط. رغم تحذيرات الاتحاد الأوروبي التي يعتبرها تحديا لهم وللقانون الدولي.
ذكرت جريدة «رأي اليوم» اللندنية أن «الأسباب التي دفعت أنقرة إلى اللعب على حبال المراوغة مع الجانب الروسي والالتفاف حول الجانب الأميركي، ليست إلا أزمة مفتعلة بين الطرفين لجعل روسيا تعتقد أنها استطاعت أن تخرج الثعلب التركي من تحالفه مع أميركا، فالنظام التركي يعمل على «القفز على حبال الابتزاز ما بين روسيا وأميركا واستغلال هامش الخلاف بينهما لتحقيق مطامعه التوسعية، وعليه فإن أردوغان يريد استرضاء روسيا لكسب الوقت في إدلب لمصلحة التنظيمات الإرهابية ولتحقيق مكاسب سياسية وعسكرية واقتصادية، وقد اتّهم المفكر الأميركي نعوم تشومسكي أردوغان بازدواجية المعايير حول الإرهاب، ووصفه بأنه إرهابي. وقال تشومسكي في كتابه «العالم إلى أين؟»: «إن أردوغان يسعى لأن يصبح حاكماً مستبداً متطرفاً دكتاتورياً».
وبالمقابل قال تشومسكي: «إن أردوغان كان يرفع شعار «صفر مشاكل» مع الدول المجاورة، وإذا به يشعل الأزمات والصراعات، ويتبنى رعاية التنظيمات الإرهابية، ويتورط في مشاكل المنطقة، سعياً منه لتعويض إخفاقه بإقامة إمبراطوريته العثمانية الجديدة، التي سعى لإقامتها، ولو على أنقاض المنطقة ودماء شعوبها»، ولا يوجد حاكم تسبب في إسالة الدماء وتشريد الملايين، وتحويل بعض بلدان المنطقة العربية إلى ساحات لحروب أهلية، مثل أردوغان الذي تحول إلى أكبر راعٍ للإرهاب في العالم.
وفي حديثه عن التدخّل التركي في الوضع السوري يقول تشومسكي: «إن ما يحدث في قصة الرعب السورية يفوق الوصف، تركيا أردوغان العضو في الناتو، تدعم فرع القاعدة في سورية، أي جبهة النصرة وتنظيم داعش الإرهابيين».
«مجلة التحقيق» الاستقصائية البريطانية، كشفت بالأدلة والصور والوثائق العلاقة بين النظام التركى وتنظيم داعش الإرهابي وغيره من الجماعات الإرهابية، وتواطؤ الحكومة التركية مع داعش ضد الشعب السوري ودولته الشرعية.
ونشرت الصحفية تقريرا، للصحفي عبد اللـه بوزكرت، عن الدور التركى فى تسهيل دخول الإرهابيين، إلى سورية عبر الحدود البرية.
كما كشف هذا الصحفي من خلال التسجيلات، دعم وتسهيل حكومة أردوغان دخول الإرهابيين إلى سورية لمصلحة داعش وجبهة النصرة، وكيف تعاقدت داعش مع مستشفى دانيسمانليك التخصصي بأنقرة لمعالجة المصابين من مسلحيها.
العلاقات التركية الإسرائيلية التي وصلت أقصى مراحل ازدهارها في عهد أردوغان، تمثل وجها آخر للنفاق التركي الأردوغاني. على الرغم من الشعارات التي يرفعها أردوغان والمواقف التي يتاجر بها مدعيا كذبا بدعمه للقضية الفلسطينية.
أردوغان استطاع أن يصل بالعلاقات مع إسرائيل إلى مستويات متطورة اقتصاديا وعسكريا، فتركيا الأردوغانية تجمعها علاقات هي الأقوى مع الاحتلال الإسرائيلي.
فضح وزير الاستخبارات والمواصلات الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في حديثه لصحيفة «معاريف» الإسرائيلية ازدواجية أردوغان عندما أشار إلى أنهم في إسرائيل لا يأبهون لعنتريات أردوغان الإعلامية، طالما أنها لا تمنعه من جعل حجم التجارة عبر ميناء حيفا الإسرائيلي نحو 25 بالمئة من تجارة تركيا مع دول الخليج العربي، ووصل التبادل التجاري إلى 3.9 مليارات دولار سنوياً.
أردوغان تبنى إستراتيجية «العثمانيون الجدد» تجاه الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، وبالطبع يعدّ حليفاً مهما جداً للولايات المتّحدة، ولإسرائيل كجزء من تحالف عام برعاية واشنطن لضمان السيطرة على مصادر الطاقة الرئيسة وضد الاتجاهات التي تنادي «بالقومية العربية».
تُشير الأحداث المتسارعة إلى أن قبضة أردوغان تتحطم، مؤذنة ببداية نهاية مرحلة أردوغان الموغلة في التناقضات بعد أن دق الإسطنبوليون مسماراً في نعشها، بالانتخابات البلدية الأخيرة، ليبقى السؤال القائم: هل تنتفض المؤسسة العسكرية التركية أسوة بالشارع؟
أخيراً مع تآكل الأردوغانية السياسية، ومخاطر تفاقم الأزمة الاقتصادية، فإن أردوغان يقفز على حبال الابتزاز، ويمكن القول إن الأردوغانية باتت تسير نحو نهايتها.