في الذكرى 13 لانتصار المقاومة اللبنانية على العدو الإسرائيلي في جنوب لبنان وقهر الجيش الذي لا يقهر وتدمير الجيل الرابع من الميركافا التي وصفت بأسطورة الدبابات، لا بد لنا من التوقف عند بعض المحطات المهمة التي رافقت التحضير لهذا الانتصار وصولاً إلى مرحلة ما بعد الانتصار وهي الأصعب والأهم من وجهة نظري في مسار الصراع مع العدو الإسرائيلي.
إن حرب تموز 2006 حققت أهم هدف إستراتيجي للإنسان العربي وهو كشف الهالة المصطنعة لهذا الكيان وكسر حاجز الخوف والرهبة وإزالة روح الهزيمة التي سكنت روح المواطن العربي منذ النكبة في العام 1948 وما تلاها من نكسة في العام 1967 واحتلال جزء من جنوب لبنان في العام 1978 ثم اجتياح لبنان وصولا للعاصمة بيروت في العام 1982 ثم تنفيذ عملية عناقيد الغضب في العام 1993 وكل تلك المحطات ترافقت مع استعمال آلة إعلامية ضخمة خلقت خصيصاً لإظهار التفوق العسكري المزيف للعدو الإسرائيلي من خلال الدعاية المدفوعة الثمن.
بيد أن العام 2000 شهد منعطفاً مهماً في تاريخ الصراع مع العدو الإسرائيلي وتحديداً في الخامس والعشرين من شهر أيار حين أعلنت قيادة العدو الإسرائيلي الانسحاب العسكري من جنوب لبنان من دون شروط مسبقة وبلا اتفاقات مبرمة مع لبنان وذلك نتيجة تكبد العدو خسائر فادحة في العديد والعتاد العسكري جراء الضربات المتتالية والناجحة للمقاومة اللبنانية.
الانسحاب الإسرائيلي عام 2000 من جنوب لبنان شكل مفصلاً أساسيا قلب الموازين معلناً عن البدء بمرحلة جديدة متطورة في الصراع مع العدو الإسرائيلي والشروع بمرحلة نوعية قائمه على محو كل آثار الهزائم التي لحقت بنا والبناء على أسس جديدة ومتينة أساسها تغيير ذهنية الإنسان العربي وتحويلها من ذهنية الهزيمة وانقلابها إلى روح منتصرة بإمكانها تحقيق ما عجزت عنه الجيوش العربية، والحصول على الأهداف الإستراتيجية وأهمها زرع روح الهزيمة والخوف عند جنود العدو الإسرائيلي وبالتالي عند المجتمع الإسرائيلي.
بيد أن الكثير من المشككين في انتصار 2000 نكروا هذا الانتصار وإمكانية البناء عليه ولم يتقبلوه كإنجاز نوعي لكن العديد من الأنظمة العربية عملت وبشكل دؤوب على رد صاع المقاومة من خلال التآمر عليها والإعداد لحرب إسرائيلية جديدة على لبنان بهدف القضاء على المقاومة وكانت حرب تموز 2006 وخاب ظن المتآمرين الذين وصفوا عملية خطف الجنديين الإسرائيليين بأنها مغامرة غير محسوبة بانتظار تنفيذ مخطط الحرب الإسرائيلية الهادفة إلى القضاء على حزب اللـه اللبناني، فكانت الحرب الإسرائيلية الأميركية الأوروبية العربية الضروس على المقاومة والتي شهدت أعنف وأشرس المعارك أما النتيجة فكانت انقلاب السحر على الساحر وإصابة العدو الإسرائيلي بهزيمة قاتلة لم يزل تحت تأثيرها حتى يومنا هذا.
انتصار المقاومة في حرب تموز 2006 لم يكن وليد الساعة بل سبقه تحضيرات كبيره ترتكز على عاملين أساسيين:
1- دعم سورية اللامحدود للمقاومة اللبنانية قيادة وجيشاً وشعباً وفي شتى المجالات ما أتاح للمقاومة تشكيل جبهة متقدمة ناجحة حققت توازن القوى مع العدو الإسرائيلي الأمر الذي دفع العدو إلى إعادة حساباته التي بنى عليها أمجاده العسكرية طوال نصف قرن.
2- التحالف الإستراتيجي القائم بين سورية وبين الجمهورية الإسلامية في إيران الذي شكل العامل الرئيس لخط الائتمان والإمداد العسكري والمعنوي للمقاومة مما شكل الدافع القوي لعمل المقاومة وإنجاح تجربتها الناجعة والناجحة في جنوب لبنان.
إن حرب تموز 2006 كانت بهدف تصفية المقاومة بيد النتائج جعلت من المقاومة لاعباً إقليمياً لا يمكن تجاهله كما أن انتصار المقاومة 2006 أفرز محوراً مقاوماً متكاملاً ومؤثراً في ملفات المنطقة الممتدة من إيران والعراق مروراً بالحلقة الأساس سورية وصولا إلى لبنان وغزة ولنعترف بأن ما زاد في تماسك محور المقاومة وتأثيره هو دخول اليمن إلى محور المقاومة في الصراع مع العدو الإسرائيلي ونجاح الحوثيين في تطويق قوى التآمر الخليجي.
ومع تعاظم قدرات محور المقاومة عسكرياً يبقى أن نعترف وبشفافية بأن تلك الانتصارات تبقى ناقصة إذا ما غيرنا من بعض المفاهيم التقليدية وأدركنا فهماً أكثر عمقاً لبعض المصطلحات التي يطلقها الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله.
فمثلاً حين وقف نصر اللـه في بنت جبيل وقال جملته الشهيرة إن إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت اعتقد الكثيرون أن هذه الجملة هادفة لتعبئة الجماهير فقط بيد أن التجربة أثبتت أن المقاومة باتت على علم بأدق تفاصيل بيت العدو الإسرائيلي الوهن.
وفي خطاب ما بعد انتصار تموز 2006 قال إن هذا الانتصار سيكون له ارتدادات إيجابية لعشرات السنين وسيؤسس لمرحلة جديدة إستراتيجية يبنى عليها وستؤدي إلى إعادة هذا الكيان الغاصب إلى ما قبل 1948، أي مرحلة الشتات، لكن الشك ساور الكثيرين وها نحن نعيش ارتدادات هذا الانتصار الإلهي في كل المنطقة.
وحين أطلق نصر اللـه شعار: «ولى زمن الهزائم»، ظن البعض أنه كلام لشحذ الهمم لكن حقيقة الأمر أن نصر اللـه كان يقول لقد تجاوزنا مرحلة ردع العدو الإسرائيلي وبتنا قادرين على إلحاق الهزيمة به وتحقيق النصر في أي مواجهة، وتأكيداً لذلك أطلق نصر اللـه في إحدى خطبه قوله للمقاومين الأشاوس: «كونوا على استعداد للسيطرة على الجليل»، وهذا يعني بالمفهوم العسكري والنفسي الجهوزية التامة لمرحلة جديدة تتجاوز كل الصعاب والتحضيرات في الصراع مع العدو الإسرائيلي وصولاً إلى مرحلة تحرير الأرض من المحتل.
وفي مقابلة نصر اللـه الأخيرة على قناة المنار تقصد تحديد الجغرافيا القاتلة للعدو الإسرائيلي الممتدة إلى منطقة أشدود، وهذا دليل على أن مقتل العدو صار في قبضة المقاومة.
أما قول إنه إذا ما تعرضت إيران لأي هجوم عسكري فإن المنطقة برمتها ستكون جبهة مشتعلة، فهذا يعني الانتقال من مفهوم المقاومة إلى مفهوم محور المقاومة المتماسك والمترابط وأساسه الحلف الإستراتيجي بين سورية وإيران الذي شكل نداً قويا سيقلب المفاهيم والمصطلحات التي تعود عليها الإنسان العربي وأن تجعل منه إنسانا عربياً مؤمناً بقدراته متيقناً من إمكانية المواجهة مع العدو والانتصار عليه.
مراكز الدراسات والتحليل الإستراتيجي عند العدو الإسرائيلي باتت متيقنة وتدرك تمام الإدراك أن كل شعار يطلقه نصر اللـه هو ليس مجرد شعار تعبوي إعلامي يهدف إلى شحذ الهمم أو لشد العصب المقاوم إنما هو شعار قد أنهى مراحله التمهيدية والتحضيرية وإنه شعار قد دخل مرحلة الخيارات وأصبح جاهزاً للتنفيذ بأي لحظة توجب الظروف العسكرية أو السياسية إعطاء الأمر بتنفيذه كالشعار الأخير الذي أطلقه في الذكرى 13 لانتصار تموز في منطقة بنت جبيل حين قال: «سندمر ألويتكم وسيشاهد العالم ذلك بنقل مباشر عبر الشاشات».
نقول إن محور المقاومة بقيادة سورية وبدعم من إيران قد أدخلنا في مرحلة جديدة توجب علينا ضرورة ترجمتها إعلامياً من أجل الحفاظ على روح الإنسان العربي موقدة بالإيمان بالنصر والتحول نحو المفاهيم الصحيحة للشعارات والخطابات وتغيير المصطلحات الإعلامية البائدة التي أضحت ضرورة ملحة والبحث عن مصطلحات جديدة تتناسب وحجم التضحيات والانتصارات في كل من سورية ولبنان وإيران واليمن، وترجمتها سياسياً واقتصادياً قبل ذوبانها في توهان إعلام همه الترويج لبرامج بالية من أجل تحقيق أعلى نسبة مشاهدة فقط.