مسرحيات المعلم داود قسطنطين الخوري … دافع عن سورية والعروبة واللغة العربية في شعره وأغانيه وأناشيده وألحانه
| سوسن صيداوي
صدر حديثاً عن الهيئة العامة السورية للكتاب، دراسة تحقيقية جاءت بعنوان: (المسرح الغنائي العربي…. مسرحيات المعلم داود قسطنطين الخوري) بقلم محمد بري العواني، حيث تضم الدراسة المسرحيات التالية: مثال العفاف في رواية الأميرة جنفياف، الصدف المدهشة، اليتيمة المسكوبية، عمر بن الخطاب والعجوز، الابن الضال، التي يبين من خلالها المؤلف كيف يعتمد المعلّم داود قسطنطين الخوري -عبرها- تقديم موضوعات اجتماعية واقعية، ولكن وفق المذهب الرومانتيكي-الذي يوافق هوى قسطنطين الشعري العربي الغنائي الذاتي السائد في الفترة التاريخية أواخر القرن التاسع عشر في الوطن العربي، مع نزوعه إلى المنحى الإنساني وخصوصاً في دعم المرأة، الأمر الذي جعل من مواضيعه مرغوباً فيها على الدوام لدى المسرحيين لمعالجاتها الفكرية المتنوعة في الفكر والفن مع مضامينها الإرشادية، ومن الدراسة نضيف لكم بعض العناوين والموضوعات.
الأصل والمنشأ
تنحدر أسرة المعلم الخوري من أصول يونانية، فقد جاء جدّه «داود» إلى دمشق منتصف القرن الثامن عشر، فاحتضنه غبطة البطريرك الأنطاكي «دانيال»، لأنه كان ضليعا في علوم اللاهوت ومتقنا للغتين التركية واليونانية. ثم عينه البطريرك مدرسا للغة التركية في المدرسة البطريركية ومن بعد رسم كاهنا بعد زواجه بقليل، وجاء إلى حمص في عهد سيادة المطران اليوناني أفتيموس، وكان قد مال قسطنطين إلى الأدب وأتقن اللغات التركية واليونانية والعربية، ثم عُين ممثلاً للقنصل اليوناني في حمص، ومن بعدها مستشارا عند الحاكم التركي طاهر باشا في دمشق.
أهمية المسرحيات
إن أهمية مسرحيات داود قسطنطين الخوري تنبع من طبيعة ووظيفة الموضوعات والمضامين الوعظية والإرشادية التي طرحها منتصف القرن التاسع عشر، والتي تحضّ على الوفاء وحفظ العهود والمواثيق، وتحارب كل أنواع الرذيلة الأخلاقية والدينية والاقتصادية والتعليمية كالجشع والطمع والغدر بالأهل والأصدقاء والاستعلاء على الضعفاء… إلخ، كما يلفت المؤلف محمد بري العواني إلى أن هذا نابع من تأثره بشيخه القباني الذي كان أكثر تنويرية من غيره في عصره، حين طرح حق المرأة والرجل والحب والعشق وحرية اختيار الشريك على قاعدة التساوي بين الجنسين، إضافة إلى موضوعات أخرى فصلها المؤلف العواني في كتاب: (أبو خليل القباني-ريادة التجاوز)، متابعاً إن أهمية مسرحيات الخوري تنبثق من اتجاهه نحو الواقع ومعالجة مشكلاته وعلاقاته الاجتماعية المتخلّفة والمختلفة.
الموقف الوطني- القومي العربي
يبين المؤلف في دراسته أن الأهمية الفائقة للمعلم الخوري الشاعر أنه دافع عن سورية وعن العرب والعروبة واللغة العربية، دفاع أبنائها الغيورين في شعره وأغانيه وأناشيده وألحانه التي كان يبتكرها لتلاميذه ويقدمها في الحفلات المدرسية والخيرية، رغم أنه من أصول يونانية لكنّ هذا الأمر أغنى انتماءه إلى العرب والعروبة، فكان انتماء فكريا وروحيا عن قناعة مطلقة، لذلك يقرأ القارئ في تراثه الشعري قصائد وأغنيات وأناشيد تمجد العرب واللغة العربية ولاسيما تمجيده لسورية العربية الطبيعية:
حيّوا الأوطان السورية
بأرق عواطف حبيّة
تلك الجنات العربية
جنات الأنس القدسية
حيّوا حيّوا سورية كم
حياكم ربي حياكم
في الموسيقا والغناء
إن ما أنجزه المعلم الخوري من غناء في مسرحياته ضئيل جداً بالقياس إلى ما أنجزه شيخه القباني من موشحات وقدود وأغنيات خفيفة ورقص وغير ذلك، وبالرغم من ظهور التجهم في مسرحيات الخوري بسبب سيطرة الأوزان الشعرية الطويلة والنغمة الأحادية المونوتونية، لكنه يدرك أن مسرحه مسرح غنائي بطبيعته ووظيفته ولهذا نراه يستعمل التراتيل والترانيم الكنسية والدنيوية، لكونها بنت الطقس الديني المقدس وفاعليتها أقوى من الأغنيات الدنيوية، لما تتضمنه الترانيم من تأثير بقيمها الدينية والأخلاقية والاجتماعية، كما أنها تعتمد في شكلها الشعري البسيط على الأوزان العروضية الخفيفة التي تشبه بنية القدود بوصفها أغنيات خفيفة ويمكن الترنم بها بلا أدنى مشقة، كما يلفت المؤلف في دراسته إلى أن أهم ما يسجّل للمعلم الخوري هو التفاته المبكر إلى أغنيات الأطفال في المسرح، لأنه أدرك أهمية الدور التربوي للموسيقا والغناء في التوعية والتنشط الجسدي والعقلي والروحي، ولاسيما حين تكون اللعبة جماعية، والحديث للمؤلف محمد بري العواني «إن هذه الالتفاتة الخاصة بالأطفال من المعلم الخوري تُسجل له سابقة مهمة في تاريخ المسرح الغنائي العربي في عصر النهضة العربية، إذ ساعده عمله معلما للموسيقا والغناء في المدارس الابتدائية والمتوسطة على وعي الدور التربوي للموسيقا والغناء، فكانت هاتان الأغنيتان الجميلتان الموجودتان في مسرحية «اليتيمة المسكوبية». ومع ذلك كله تبقى مسرحيات المعلم الخوري تعبيراً صريحا عن تلك الشرور وعن تلك المشكلات الأخلاقية التي كان يعانيها مجتمعه آنذاك، كما كانت تعبيراً صريحا عن تلك الحلول الأخلاقية والدينية الإجرائية الواقية من الانزلاق في مهاوي الفساد الاجتماعي. هذه الحلول الإجرائية السلوكية هي التي يجب أن يعمل بها، ولأجلها، كل إنسان مؤمن في سبيل تحقيق حياة اجتماعية رغيدة معافاة من كل الآثام والشرور».