منذ استهدافه لسورية وسيادة أراضيها وشعبها وجيشها خلال ثمانية أعوام لم يتمكن الرئيس التركي رجب أردوغان إلا من زيادة عدد أعدائه وخصومه في الجوار وفي جبهته الداخلية، فقد فتح على نفسه جبهات في حدوده الجنوبية مع سورية وفي حدوده مع العراق وفي البحر الأبيض المتوسط مع حلفاء قبرص اليونانية وقبل ذلك مع مصر، ولم يعد له في المنطقة إلا قطر بعد تعثر علاقاته مع السودان في عهد الرئيس السوداني المخلوع حسن البشير، وهو برغم كل ما تحمله هذه السياسات من نتائج كارثية على وضعه ما زال يوهم نفسه بالقدرة على تحقيق أهدافه التوسعية السياسية والجغرافية على حساب الأمة العربية ومصالح دولها الوطنية والقومية. والسؤال الذي يطرح نفسه في ظل وضعه هذا هل يستطيع جيشه تحقيق أهدافه هذه؟
سيمون ديستال نشر في صحيفة «الغارديان» البريطانية في 20 تموز الماضي تحليلاً تحت عنوان: «أردوغان يسير وحيداً للتخريب فهل سيأخذ معه تركيا إلى الخراب؟» قال فيه إن أردوغان زج في السجون عشرات الآلاف منذ عام 2016 من الضباط الكبار والشخصيات العسكرية والقضائية بتهمة محاولة الانقلاب عليه، وطرد أكثر من 100 ألف من رجال الخدمات في الدولة، وكان قد اتهم واشنطن بدعم خصمه الإسلامي التركي عبد الله غولين في محاولة الانقلاب، وبعد هذه الإجراءات ضاعف أردوغان عدد المتربصين به داخل الجيش في مؤسسات الدولة لأن عمليات اعتقال الضباط الكبار لم تتوقف سنة تلو أخرى، إلى حد جعل المحللين في أوروبا يعتقدون أنه يقوم بتغييرات طارئة بين فترة وأخرى في قيادات الجيش لكي لا يتيح للمتربصين به تجنيد أنصار لهم أثناء خدمتهم.
يتساءل الكاتب الصحفي ميخائيل روبين في تحليل له عن مدى قوة الجيش التركي، وقد نشره في مجلة «أميركان انتربرايز إينستيتيوشين»، ويرى أن جيش أردوغان فقد جزءاً كبيراً من قوته العسكرية في أعقاب عمليات التطهير التي قام بها داخل الصف الأول في الجيش، علماً أن خبرات عدد كبير من الطيارين والضباط الآخرين الذين زجهم في السجن جعله يفقد خبرات عسكرية تراكمت خلال عشرات السنين. وإضافة إلى ذلك لم يقم الجيش التركي بمجابهة عسكرية مع جيوش نظامية منذ عشرات السنين، فقد احتل الجزء التركي في قبرص عام 1974 وبرغم بعض الاشتباكات التي وقعت بين الجيش التركي والجيش اليوناني في الثمانينيات من القرن الماضي لم يقم الجيش التركي إلا بمجابهة منظمات مسلحة مثل حزب العمال الكردستاني في عهد عبد الله أوجلان.
ولاشك أن أي مجابهة عسكرية بين الجيش التركي وأي جيش نظامي في المنطقة أو الجوار التركي البحري أو البري ستؤدي إلى انشغال هذا الجيش وإتاحة الفرص لكل دولة استهدفها أردوغان باستغلال هذا الوضع الذي لن يكون بمقدور جيش أردوغان التحكم بنتائجه السلبية عليه على المستوى الإقليمي وعلى المستوى الدولي، وخصوصاً بعد تفاقم الأزمات السياسية والحزبية في الجبهة الداخلية التركية وتزايد عدد القوى التركية التي تجد مصلحة وطنية تركية من التخلص من حكمة الذي ألحق الأضرار بنسبة كبيرة من هذه الأحزاب التركية وأنصارها.
ولذلك يميل المختصون بشؤون تركيا وسلطة أردوغان إلى التعويل على العامل الداخلي التركي والمراهنة عليه في تغيير الرئيس التركي لكي تتاح الفرصة لمنع تصعيد حروب أردوغان في كل الاتجاهات.
يبدو أن أردوغان من جانبه يعوّل في بقائه في السلطة على التجاوب مع الوظيفة التي تعدها له بعض الدول مثل الولايات المتحدة عاجلاً أم آجلاً وهي رعاية المجموعات الإسلامية واستغلالها لمصلحة السياسة الأميركية، وهو الذي يعد نفسه سلطاناً لجميع المسلمين في الصين وروسيا الاتحادية بل في نيوزيلاندا التي لاحظ الجميع أنه تابع موضوع المذبحة التي ارتكبت فيها في مسجد نيوزيلندي وكأنه الممثل الوحيد للضحايا الذين يعدون مواطنين نيوزيلنديين!
مجلة «ذي غلوباليست» الأميركية كشفت في 20 تموز الماضي أن الصين تدرك جيداً أن واشنطن ستستخدم دور أردوغان الإسلامي لتحريض المسلمين الصينيين من الإيغور ضد القيادة الصينية ولذلك سمحت لوفد تركي بزيارة رسمية لمنطقة تشينغ يانغ لعرقلة الخطة الأميركية.
وفي كل الأحوال تؤكد كل التطورات في المنطقة أن الزمن لا يعمل لمصلحة أهداف أردوغان بل لمصلحة جميع الشعوب المتضررة من عدوانه ومخططاته.