في يومٍ ما منذ ما يقارب العقدَين من الزمن افتُتحت إحدى البطولاتِ العالمية لإحدى الألعاب الجماعية، كانت عينا المواطن السوري تنتظر بترقبٍ ذاكَ الحدَث، والسبب طبعاً ليس مشاركةَ المنتخب السوري بل لأن حفلَ الافتتاح والمباراة الافتتاحية تزامنا عملياً مع الموعد المقدس لنشرة الأخبار الرئيسية في الثامنة والنصف مساءً، تلك النشرة التي كانت تُوصف بالمقدسة، كان المواطن السوري يتساءل وقتها بترقب:
هل حقاً سيتم تأجيل نشرة الأخبار لصالح بطولة ينتظرها الملايين حول العالم في سابقةٍ تاريخية ستبقى لأجيال؟
لم يطُل الحلم السوري حتى باغتته النشرة في معمعة المباراة، ربما هناك من اعتقد أن العالم سيتوقف عند قدسية موعد نشرة الأخبار لكن هذا لم يحدث، فبقيت العقلية كما هي.
أتذكر هذه الحادثة كلما اقترب موعد إقامة معرض دمشق الدولي وما كان يحظاه هذا الموعد من اهتمامٍ محلي وإقليمي ودولي قبل الحرب اللعينة.
قد يبدو من البديهي أن المعارِض ليست مجردَ حدثٍ مكرَّر، بل هي فرصة استثمارية وترويجية لمن يحسن استغلالها، وهناك الكثير من الشركات التي تعتمد على مثل هكذا معارض لتوقيعِ عقود أو جلب استثمارات، تحديداً عندما تتزامن هكذا معارض مع حسن التنظيم واختيار الموعد، وعليهِ يعود السؤال المنطقي التالي إلى الواجهة:
هل حقاً أن قدسيةَ موعدَ إقامة هذا المعرض هي من قدسية موعد نشرات الأخبار قبل عقود، أم إن العقلية التي رأت قبل عقودٍ أن نشرةَ أخبارٍ تبدو أهم من حدثٍ يتابعه الملايين هي ذاتها التي تتجاهل أن موعدَ إقامة المعرض لايكترث كثيراً لما قد يُفضله السوريون؟
مما لا شكَ فيه أن هذا المعرض ارتبطَ ومنذ عقودٍ بذاكرةِ السوريين وتحديداً الدمشقيين، فلا ننسى مثلاً أن مسرحهُ احتضن الكثيرَ من عمالقةِ الفن العربي، حتى إن تاريخَ إقامتهِ مرتبط برائحة مونة المكدوس ورب البندورة التي كانت تعبق على الأسطحة المتعبة، وبعودة التلاميذ إلى مدارسهم.
لكن ماذا لو دفعنا بتاريخ الافتتاح أياماً نحو الخلف هل سيتوقف دوران الكرة الأرضية مثلاً؟ لماذا لا يكون الموعد داخلَ العطلةِ الصيفية ذات نفسها لجعلِ القاعدة المشاركة أو الزائرة أوسع تحديداً، إن الانتظار حتى موعد انتهاء العطلة الصيفية يعني حرمان الكثيرين من المشاركة أو مجردَ زيارة هكذا معرض.
ربما قد يطول الشرح حول الأسباب التي يوردها البعض لتسويغِ فكرة أن يبقى هذا المعرض مجرد معرضٍ دمشقي لا دولي، تحديداً في هذه الأيام الصعبة التي يتجاوز فيها المعرض تحوله لمجرد تكرارٍ مملٍّ لفرضيةِ إقامة المعارض، بل إن وجود المعرض بحد ذاته هو صورة متكررة عن رسالةٍ يريد السوريون إيصالها بأن الحياة لن تتوقف، عبر إصرار السوريين واستماتتهم في الدفاع عن فكرة أن الياسمين الدمشقي أقوى من رائحة البارود.
في الخلاصة: غالباً ما يتم الربط بين معرض دمشق الدولي وأغنية (شآم أهلكِ أحبابي وموعدنا أواخر الصيف آن الكرم يُعتصر)، هل حقاً أن سبب عدم السعي لتبديل الموعد هو عدم حدوث انفكاك بين المعرض وهذه الأغنية؟ إذ أين لنا بعد اليوم أن ننجز هكذا أغنية؟ ربما قد نستطيع إنجازها لكن بتعديلٍ بسيط:
أواخر الصيف أن لتلك العقليات أن تكون خلاقة…