لا أحد يشك أن تداعيات التطورات الأخيرة في شمال شرق سورية وأهمها: سحب الوحدات العسكرية الأميركية وتخلي الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن استمرار دعم مشروعه العدواني باستخدام «قسد»، حملت هزة كبيرة على الكيان الإسرائيلي، فتحت عنوان: «ماذا يمكن لإسرائيل أن تتعلمه من هزة أخرى في الشرق الأوسط» يرى فيه الكاتب الصحفي الإٍسرائيلي إيال كوهين في تحليل نشره في 11 الشهر الجاري في مجلة «معهد بروكينغز الأميركي للأبحاث» أن فك ارتباط الولايات المتحدة بقادة أكراد سورية سيشكل خطراً وجودياً ينهي كل اللعبة الأميركية مع «قسد» ومجموعتها المسلحة.
أما إسرائيل فقد جاء توقيت قرار ترامب غير مناسب أبداً لها وخاصة حين ترى استمرار الوجود الإيراني الداعم لسورية وامتداد خط الدعم بالسلاح عبر العراق من دون عراقيل عند حدوده لا من الأميركيين ولا ممن كانوا حلفاءهم من المجموعات المسلحة الكردية.
ويستنتج كوهين في تحليله أن هذه التطورات في واشنطن وتركيا وسورية تقدم لإسرائيل ثلاثة دروس رئيسة: الدرس الأول أننا في إسرائيل سنقاتل أعداءنا وحدنا لأن إسرائيل كانت في مختلف نزاعاتها في الماضي لا تتوقع من الولايات المتحدة أن تقاتل عنها في حروب إسرائيل في المنطقة، لكن أميركا ستحافظ على تفوق إسرائيل العسكري والتكنولوجي دوماً وتقدم دعماً مالياً يستكمل ميزانية إسرائيل وتعمل على ردع الأعداء المحتملين، لكن الافتراض غير المعلن هو أن الولايات المتحدة ستضع إسرائيل في آخر خط دفاعها إذا ما واجهت القيادة الإسرائيلية خطراً وجودياً.
ويوصي كوهين أصحاب القرار في إسرائيل بضرورة إعادة التفكير بحذر تجاه ما يعنيه هذا الدرس بعد أن تخلى الأميركيون عن المجموعات الكردية السورية المسلحة.
والدرس الثاني هو أن رؤية إسرائيل لشرق أوسط جديد تتوجه باتفاق مع الفلسطينيين وتطبيع للعلاقات مع الدول العربية الصديقة للولايات المتحدة واتفاقها معهم على أن إيران هي العدو الوحيد لهم، أصبحت رؤية يصعب تحقيقها بعد أن بدأت واشنطن تتراجع عن التزاماتها بالمنطقة، بل إن إمكانية تحقيق شراكة محدودة بين عدد من الدول العربية وإسرائيل أصبح أقل جاذبية، فواشنطن لا تهتم الآن إلا ببيع الأسلحة لدول النفط وليس للقتال المباشر معها.
ويرى كوهين أن طهران ودمشق بدأتا تجدان من يرغب في التوصل إلى تقارب معهما بعد التطورات التي طرأت في شمال شرقي سورية، وزيادة الدور الروسي هناك، ويدعو إسرائيل إلى منع أي تقارب لأن القيادة الإسرائيلية يهمها الآن تجنيد ما يطلق عليه «دول السنة العرب» لإنهاء تصفية القضية الفلسطينية ومنع دول محور المقاومة من إبداء أي رأي فيها.
والدرس الثالث هو أن القيادة الإسرائيلية أصبحت مطالبة بوضع دراسة جديدة للوضع مع سورية وروسيا بشكل خاص لأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سيعرف كيف يستفيد من الانسحاب الأميركي من شمال شرق سورية وسيعمل على تهيئة الظروف هناك لمصلحة سورية وإيران بالطبع، وخاصة لأن المجموعات الكردية المسلحة «أصبح ظهرها لأحد خيارين: سورية، وروسيا الموجودة في المنطقة وكلاهما ضد مصلحة إسرائيل».
وإذا أحصينا خسائر إسرائيل الإستراتيجية لمشروعها الصهيوني التوسعي فسنجد دون أدنى شك أنها فقدت كل أوراق عقيدتها «الإستراتيجية» التي دعت فيها منذ عام 1949 على لسان بن غوريون إلى توظيف دور الأطراف والدول غير العربية المجاورة مثل إيران وتركيا وأكراد العراق في خدمة إعادة تقسيم سورية والعراق وتفتيت قدراتهما، وها هي إسرائيل الآن تجد نفسها منذ عام 1979 قد خسرت شاه إيران، ثم خسرت مشروع تقسيم العراق قبل عامين، ثم ها هي تخسر مشروع تفتيت قدرات سورية في الشمال بعد الانسحاب الأميركي وتخلي واشنطن عن المجموعات المسلحة الكردية، هناك لم يعد حتى لتركيا الدولة الوحيدة التي ما تزال تحافظ على علاقات التعاون مع إسرائيل أن يكون في مقدورها مساعدتها على تحقيق المصالح الإسرائيلية.
ومع أزمتها الداخلية المستعصية بين أكبر أحزابها بدأت إسرائيل تواجه يوماً تلو آخر عوامل ضعف في عمق مشروعها الصهيوني داخل فلسطين المحتلة وعلى حدود فلسطين من الشمال والجنوب دون أن تتمكن حتى الآن من تعديل هذا الوضع أو تغييره بشكل عام.