منذ أيّام والخجل يساورني، لدرجة أنني لم أتجرّأ على مغادرة بيتي المستأجر خشية أن أقابل مسؤولاً حيطة أن يرمقني بنظرة عتب تذيبني في ثيابي!
لم أكن أتوقّع من نفسي كل هذا التخاذل، وقلّة الحياء وعدم الإحساس بالمسؤولية، وضعف الشعور بالامتنان، مقابل الخدمات الجليّة التي تقدّمها لنا الحكومة، وخاصة وزارة النفط الموقرة متمثلة بشركة المحروقات «سادكوب»!
لم أتمالك نفسي عن الدهشة يوم أخبرني أقاربي في سهرة ريفية دارت أحاديثها حول الرعاية المترفة التي تسيّجنا بها حكومتنا، بأنه بات بإمكاننا حجز دور لتعبئة مادة المازوت باتصال مجاني برقم رباعي؟ يا للهول! قمنا بذلك وبالفعل لم تمض سوى بضعة أيّام حتى اتصل بي سائق الصهريج المبارك ليسألني عن عنواني، وقد فوجئ بأنه في ركن الدين، رغم أنني استصدرت البطاقة الذكية من مركز المهاجرين!
اعتذرت منه شديد الاعتذار لأنني لا أملك بيتاً، ولا عنواناً ثابتاً، يوفر على الحكومة الموقرة إيصال خدماتها الوافرة بسهولة! فدائماً نحن المواطنين «الأشرار» عديمو الحس بمعاناة الحكومة، لا نملك ما يؤهلنا لكسب رضاها! خطاؤون حتى النخاع، مغالون في الإثم، متبطّرون على النعم! فهل هناك أحد يحترم نفسه لا يملك بيتاً وعنوانا ثابتين؟ ونحن لا نملك إلا عقد إيجار نسجّل مبلغه بكلّ وقاحة، وهمياً في البلدية لدى توثيقه، كي لا ندفع رسوماً كبيرة، وندفع المبالغ الفعلية سلفاً للمؤجر الطيّب الذي يقطف جهد سنتنا على البارد المستريح.. هكذا، هي حياتنا تعلمنا ملأها بالمعاصي ولم نعرف يوماً كيف نستتر!
المهم، أعدت الاتصال بالرقم الرباعي وقمت بتصحيح عنواني، والانتظار قرابة شهر حتى أتاني الاتصال الموعود من سائق صهريج مبارك جديد، حدث ذلك مساء يوم الجمعة الفائت، لكنّ المتّصل بدا وكأنه ورث عن مؤسسته كل مقومات البراعة والذكاء وسأل عن عنوان البيت فأجبته بأنه مقابل مسجد الشيخ أحمد كفتارو، وقد اعتدنا أن ندل على عناويننا ببيوت الله.
المهم، ما إن عرف سائق الصهريج العنوان حتى أتاني جوابه الأحجية موضحاً أنه لن يتمكّن من إيجاد «صفّة» للصهريج هناك، طلبت منه بأن يؤجل مشواره إلى يوم الأحد باعتباره يوم دوام عادي، يكون موضوع «الصفّة» متاحاً، فاستشاط غضباً لأنه لا يمكنه حجز مخصصاتي التي تصل إلى 200 ليتر دفعة واحدة في صهريجه يوماً كاملاً! لكنّه وعدني بأنه إن لم يعثر على «صفّة» سيحجزها حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً، وهو ما حصل بالفعل! اتصل في اليوم التالي نحو الساعة التاسعة صباحاً، واعتذر بأنه لم يجد صفّة رغم أنه لم يمرّ في الشارع نهائياً، جرّبت أن أسأله عن اسمه لكنّه لم يجب، وهل لرجل يشغل منصباً حساساً مثل سائق صهريج توزيع المحروقات أن ينشغل بأسئلة مواطن تافه مثلي!
لذا، ولشدة تأنيب ضميري بسبب تنقّلي الدائم وتغيير عنواني بشكل مزعج، وعجزي عن امتلاك وطن (أي بيت) ثابت، ومن ثم التمادي في الخطيئة، وعدم قدرتي على تأمين «صفّة» لسائق الصهريج، أتقدم للحكومة الموقرة ووزارة النفط ووزيرها المبجّل، وشركة المحروقات باسمها الكبير «سادكوب» وسائق الصهريج وكلّ موظفي هذا القطّاع الحيوي المهم باعتذار خطيّ، وأعدهم بأن أجرّب أساليب المواطن الصالح، فبعضهم قال: إن إكرامية السائق واجب مقدّس من شأنه تبديد كلّ العقبات لكننا لا نملك من أمرنا شيئاً!
أدام المولى ظلّ حكومتنا ومحروقاتها وسائقيها علينا، ولعن كل مواطن «شرير» مثلي لا يجيد دفع الإكرامية!