ثقافة وفن

ابن عساكر… محدّث الشام ومؤرخها الأكبر.. أعطته دمشق الحياة … فوهبها تاريخها الكبير الذي لا يضاهى

عامر فؤاد عامر :

«يزخر تاريخنا العربي بأسماء أبطال عظماء، رسموا بمداد كفاحهم حكايات العزّ والفخار، فزينوا جبين الوطن بأكاليل الورد والغار. ومن هؤلاء العظام الذين ما تزال سيرتهم قدوة لأولي الألباب، ومنارة تهدي إلى دروب المجد والسناء العلامة الدمشقي «ابن عساكر» أمثولة الفضل والتقوى والزهد والنبل والصبر والجهاد في سبيل العلم».
هذا ما ورد في مقدمة الدكتورة «وسام قباني» التي وثقت لسيرة أحد أهم الأسماء التي علقت في ذاكرة التاريخ العربي وهو العلامة الدمشقي «ابن عساكر» وقد كان النصيب أن يكون اسمه ضمن قائمة «عظمائنا» السلسلة التي تصدرها وزارة الثقافة – الهيئة العامة السوريّة للكتاب، وقد صدر منها إلى اليوم 4 إصدارات كان أولها مع أبي فراس الحمداني ثم عمر بن عبد العزيز ويليه ابن النفيس الدمشقي واليوم ابن عساكر. هذه السلسلة التي تعدّ وثائق مبسطة حول أسماء وإعلام من تاريخنا العربي المشرف والتي تنضوي في تسليط صفحاتها على مسيرة حياة أحد الأسماء المعروفة لدينا من حيث ما كتب وما ترك من معارف وما قدّم من مآثر بالإضافة لمجموعة من الحوادث التاريخيّة التي ارتبطت بفترة وجوده.

في سيرته
ومما ذكره هذا الإصدار من سلسلة عظمائنا حول ابن عساكر: «ولد ابن عساكر في آخر القرن الهجري الخامس، عام 499 هـ وعاش بقية حياته في القرن الهجري السادس، وكانت وفاته عام 571 هـ…. لُقّب بـ: ثقة الدّين. وكنّيَ: أبا القاسم. ينتسب ابن عساكر إلى أسرة شريفة عريقة في المكارم والفضائل، حريصة على طلب العلم ونشره، وقد تفاءلت هذه الأسرة بمولد ابن عساكر، فمما يرويه المؤرخون أن أمّه قيل لها في المنام إذ حملت به: ستلدين غلاماً يكون له شأن».

في عصره
«مما تجدر الإشارة إليه في هذا المقام أن علاقة طيبة مثمرة جمعت بين الملك العادل نور الدين والحافظ ابن عساكر، ودامت هذه الصحبة عشرين عاماً. وأهم ما تولد عن هذه الصحبة بناء نور الدين (دار الحديث)، وتكليف ابن عساكر بالإشراف عليها، وما تزال هذه الدار موجودة حتى وقتنا الحالي… وبعد تولي القائد صلاح الدين زمام الأمور في دمشق، وقد جمعت بينه وبين الحافظ ابن عساكر علاقة طيبة، فكان الحافظ يذكر أميره بفعل المعروف، والنهي عن المنكر. وتوفي ابن عساكر في حياة صلاح الدين، فاشترك صلاح الدين في تشييعه إلى مثواه الأخير في مقبرة (الباب) الصغير».

موسوعيّة ابن عساكر
«… أول علم أتقنه واشتهر به، هو «علم الحديث، وبقيت هذه الشهرة ملازمة له حتى بعد وفاته. وسرّ شهرته بهذا العلم يكمن في أنه بدأ سماعه الحديث في سنّ مبكرة، منذ السادسة، وتتلمذ على يد عددٍ من شيوخ دمشق وغيرها من البلدان، فأجازوه، وغدا علماً في تدريس علوم الحديث الشريف يؤمه طلاب العلم من كل حدب وصوب. كما أنه برع في (علم التاريخ)، فيعدّ من الطراز الرفيع. وأتقن علوم القرآن الكريم، والقراءات، والفقه، فهو فقيهٌ شافعيٌّ متقن. إضافة إلى خوضه غمار الشعر والأدب».

ألقابه وفي وصفه
أطلق معاصروه عليه الكثير من الألقاب منها الحافظ، وإمام المحدّثين، وثقة الدين، وصدر الحفّاظ، وناصر السنّة، وجمال السنّة، ومحدّث الشام، ومؤرخ الشام، والدمشقي الشافعي. لكن اللقب الأشهر كان ابن عساكر. ومن أجمل ما وصف عنه الكتاب «.. التزم ابن عساكر طوال حياته بأمرين رئيسين: العبادة وخدمة علوم الحديث الشريف. ولم يقبل استلام أي أعمال رسميّة من قضاء أو إمامة أو خطابة أو إفتاء. فقد كان زاهداً في حبّ الرئاسة والوجاهة».

تاريخ مدينة دمشق
أجمل مؤلفات ابن عساكر والذي ذاع صيته بسببه كان مؤلف «تاريخ مدينة دمشق» وقد ذكرت الكاتبة في سؤال طرحته حول سبب ذيوع الصيت الواسع لهذا الكتاب وبحثت في الإجابة، وقد اقتطفنا من ذلك ما يلي: «… منهج ابن عساكر في كتابة تاريخ دمشق فيتمثل بالشموليّة، فهو لا يقدم لنا صورة متكاملة عن تاريخ دمشق فحسب، بل يقدّم تأريخاً وافياً لحضارة العرب المسلمين منذ الجاهليّة حتى عصره، فالكتاب صورة عن حضارة العالم الإسلامي، وصورة تشرق خيوطها الأولى من خلال الرمز الأول لمهد الحضارات، أي عروس الشرق «دمشق الفيحاء».
من أشعاره

من بين مجموعة الأشعار التي وصلتنا وحفظها التاريخ اخترنا المقطع التالي:

إذا كنت يوماً للرجال مصاحباً
وكنت لهم في كل حال تواصل
فجانب فدتك النفس منهم ثلاثة
فكلهم للنفس بالجهل قاتل
فأولهم عند التجنب جاهل
يرى أنه بين البرية عاقل
وناقص قوم ظن بالجهل أنه
إذا عدّ أهل القدر في الناس كامل
وثالثهم عبد دنيءٌ مقصّرٌ
يرى أنه عند التفاضل فاضل.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن