مقاربات كثيرة، لأول مرة بدأت تلوح في أفق المشهد السياسي الداخلي لدولة الاحتلال الإسرائيلي، لعل أبرزها تمحور حول اعتراف النخب الإسرائيلية بمختلف مجالاتها بأن إسرائيل باتت تعيش أياماً صعبة جداً في ظل النظرة السوداوية من الناحية السياسية الداخلية بعد ديمومة أزمة إنتاج الحكومة، ومقاربة أخرى بأن الواقع الداخلي للكيان الإسرائيلي يشبه إلى حد كبير حالة الفوضى العارمة التي تميز دول العالم الثالث حسب وصف النخب ذاتها، وصولاً إلى المقاربة الأخطر، حسب اعتقاد البعض، التي وجهت أصابع الاتهام لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو لأسباب انتخابية أو حزبية بأنه بدأ يشكل خطراً وتهديداً على المجتمع الإسرائيلي في تحريضه على مؤسسات إسرائيل بما فيها جهاز الشرطة والقضاء في سلوك مشابه للذي ينتهجه الرئيس الأميركي دونالد ترامب في مواجهة خصومه والتخلص من الاتهامات القضائية والحفاظ على الحكم.
هذه المقاربات الثلاث وغيرها بدأت تطفو على السطح مع توجيه المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية أفيخاي مندلبيت نهاية الأسبوع الفائت، اتهاماته لنتنياهو، لتشكل سابقة هي الأولى من نوعها بتاريخ كيان الاحتلال بأن يتم توجيه الاتهامات لرئيس السلطة التنفيذية وهو لا يزال موجوداً على رأس حكومته.
وهذا يضع الداخل السياسي الإسرائيلي أمام عدة تصورات أو سيناريوهات تتعلق بشكل حل أزمته والمتمثلة بتشكيل الحكومة المقبلة وطبيعتها وتوجهاته:
• السيناريو الأول: ويتمثل بتمكن الكنيست الإسرائيلي باتفاق 61 عضواً منه وخلال مدة أقصاها 21 يوماً من تشكيل الحكومة، بناء على المهمة التي كلفه بها رئيس دولة الاحتلال رؤوفين ريفلين للكنيست وخاصة بعد إخفاق رئيس حزب «أزرق أبيض» بني غانتس، من تشكيل الحكومة سواء من خلال التسويات القائمة على تناوب رئاسة الحكومة بينه وبين رئيس حزب الليكود بنيامين نتنياهو مناصفةٍ، وعدم قدرة أي من الحزبين على استقطاب حزب «إسرائيل بيتنا» برئاسة أفيغدور ليبرمان، ومناورة نتنياهو الناجحة في قطع الطريق أمام بني غانتس من تشكيل حكومة أقلية عبر خلط الأوراق داخلياً من خلال تعيين نفتالي بينت عضو كتلة اليمين الجديد وزيراً للأمن. وبالتالي احتمالية نجاح هذا السيناريو المتعلق بقدرة الكنيست على تشكيل الحكومة ومؤشراته قليلة جداً إن لم نقل معدومة في ظل شلل الكنيست مع هيمنة اليسار واليمين على معظمه إلا في حال حصول توافق مفاجئ.
• السيناريو الثاني وينقسم إلى مرحلتين: – مرحلة ما قبل المرحلة الانتخابية وهي تمتد من فترة تكليف الكنيست بتشكيل الحكومة وحتى إقرار التوجه نحو انتخابات برلمانية ثالثة من المتوقع حصولها في آذار 2020، وتتضمن هذه المرحلة خيارات متعددة:
– أن يقدم نتنياهو على التنازل عن السلطة وزعامة الليكود تحت ضغوط الرأي العام والنخب السياسية والأمنية، وأن يتفرغ لإثبات براءته أمام القضاء الإسرائيلي أو أن يغادر الكيان، ولكن هذا الخيار مستبعد جداً وخاصة أن نتنياهو يقدم نفسه على أنه بطل وزعيم تاريخي من جانب، ومن جانب آخر فإنه على الرغم من توجيه الاتهام له بعدة قضايا إلا أن القانون الإسرائيلي لا يفرض عليه تقديم استقالته ولا يمنعه من مزاولة مهامه إلا بعد صدور قرار قضائي نهائي من المحكمة، وهذا يحتاج حسب النظام القضائي الإسرائيلي لسنوات على الأقل.
– أن يتعرض نتنياهو لصفعة مؤلمة وقلب الطاولة عليه من اليمين عموماً والليكود بصورة خاصة تنهي حياته السياسية عبر دعوة بعض القيادات داخل الليكود للذهاب نحو إجراء انتخابات داخل الحزب «برايمرز»، لاختيار مرشح جديد يكون قادراً على إحداث خرق في الانتخابات القادمة، وهو ما عبر عنه النائب جدعون ساعر الذي يعتبر أحد أقطاب حزب «ليكود» وتسود بينه وبين نتنياهو علاقات سيئة للغاية، بالقول: إن نتنياهو لن يقدر على تشكيل حكومة حتى لو جرت الانتخابات مرة ثالثة، وطالب بإجراء الانتخابات التمهيدية لرئاسة حزب «الليكود» في غضون أسبوعين، متوجهاٌ لرئيس الوزراء بالعمل على عقد اجتماع لمركز الحزب.
أو أن يتعرض نتنياهو لانقلاب داخل حزبه تقوده قيادات حزبية طامحة تبحث عن وجود سياسي لنفسها أولاُ، وثانياُ تخشى فقدان وزن وثقل الليكود سياسياً من خلال حصول انشقاقات والانضمام لأحزاب يمينية أخرى أو أن تُشكل أحزاب جديدة، ما يؤدي لتراجع شعبية الليكود، وهذا ما تضمنته تسريبات «قناة 12» العبرية عن بعض المسؤولين في الليكود يتحدثون عن أن وقت التغيير قد حان وعهد نتنياهو قد انتهى.
في حال إخفاق كلا الخيارين فإن نتنياهو سيزداد صرامة بتمسكه بزعامة الليكود وكذلك كرئيس للحكومة وخاصة أن ذلك قد يخدمه أكثر في العملية الانتخابية، فهو بذلك قرر المواجهة ورفض الاتهامات التي وضعها في خانة المؤامرة ضده وضد اليمين. وقال في تعقيبه على صدور لوائح الاتهام إنه لن يتنحى وسيستمر في قيادة إسرائيل.
– المرحلة الثانية وهي مرحلة الانتخابات المحتملة وما يليها، وهنا الداخل الإسرائيلي سيكون بين عدة خيارات أيضا:
1- أن يستطيع حزب أزرق أبيض ومنافسون من الليكود الآخرين من تحويل التهم القضائية الموجهة لنتنياهو إلى مفاعيل استثمار انتخابية لحصد أصوات تجيز لهم تشكيل الحكومة بمعزل عن الليكود وزعامته.
2- أن يحصل هناك إطاحة بنتنياهو بانتخابات حزبية داخلية أو الانقلاب عليه من اليمين لتشكيل حكومة خالية من اليسار.
3- أن تكون نتائج الانتخابات البرلمانية الثالثة متماثلة لسابقاتها ومن ثم سيكون هذا الداخل أمام مسارين: الأول بقاء أزمة إنتاج الحكومة وهذا سيصب في مصلحة نتنياهو، أو المسار الثاني أن يحصل هناك اتفاق بين الليكود مع حزب أبيض أزرق أو إسرائيل بيتنا مقابل تقديم بعض التنازلات، فنتنياهو سيبقى متمسكاً بخيار مداولة السلطة مع غانتس على أن يتولاها نتنياهو بداية أو أن تسقط عنه التهم القضائية ومن ثم سيقبل بأن يكون رئيساً للسلطة التنفيذية في عمرها الثاني.
4- أن يتمكن نتنياهو من قلب الضغوط والتهم القضائية عليه إلى وسائل انتخابية لتحسين النتائج المقبلة لمصلحته.