رغم كل الانفتاح العالمي وتحوّل العالم إلى قرية أو بلدة صغيرة، هذه التسمية التي تعني أن الكل يرى الكل، ويتابع حتى أدق تفاصيل حياته، إلا أن المرأة مازالت في مجتمعاتنا العربية خجولة، وتخفي ما تحب أو تشعر به، وربما تكتمه إلى أن ينتهي معها، فإذا أحبت ففي الأغلب تخفي هذه المشاعر، وتنتظر أن يفصح الآخر عن حبه لها، وإذا رغبت في فعل يضيف سعادة أو متعة تتردد خوفاً، أو أن تخلق شكاً، وهذا كثيراً ما يحدث حتى بين الأزواج، وخاصة عند ممارسة الحب، ما يسبب لها الآلام، وصحيح أن المرأة خجولة في طبعها ومبادراتها، وتختلف عن الرجل، إلا أن فهمها لحقوقها ووعيها الذي غدا مهماً ومطالبتها بالمساواة الحياتية مع الرجل، نجدها حتى اللحظة تخاف من ردات الفعل، على ما تحلم أو ترغب فيه، وما يرغم فكرها على الخوف هو القوانين المعمول بها، والتي تجرمها مباشرة أمام أي مصارحة.
العالم تغيّر، وغدت العلاقات الوفاقية أكثر من طبيعية، فيكفي عند العوالم المحيطة أن تقول المرأة نعم أو لا، ليكون القانون من صفّها، ولها أن تطلب من الرجل ما تشاء، مادامت أنها تسعده وتسعد فكرها وحضورها، فالقوانين والشرائع مازالت سيفاً مسلطاً ينتظر أي جرأة منها حتى يقتص منها، فإذا لم تتقدم وتجتهد وتؤمن بأنها لم تعد وحيدة أو منفردة في الحياة، فإنها ستبقى خلف الرجل، والظروف اليوم تسمح لها بأن تتطور معرفياً وفكرياً وعلمياً، وكلما امتلكت فنون التطور حازت مكتسبات من الرجل، الذي باتت قدراته تتقلص أمام تقدمها.
إنها ليست كما الأمس، وما ينقصها فقط الجرأة الواعية، فهي كالسوسنة بين أشواك الذكورة، فإذا تجملت ظهرت كالبدر الأمين، وإذا تحدثت انساب صوتها اللطيف بين الشفاه المرسومة كسلكة من القرمز بين خدي رمانة محمولين على برج الزبرجد أو العقيق، والثديان كخشفتي ظبية، توءمان يرعيان بين الزنبق والياسمين، إلى أن يتفتح النهار، وتنهزم الظلال ولترتمي كأنثى بين أحضان فجر عاشق، أو زوج صادق، أو صديق أمين.
المرأة لا تكذب إلا إذا علمها الرجل الكذب، ولا تخون إلا بعد أن يخونها حبها أو زوجها، ولا تغدو عاهرة إلا إذا فتح لها باب العهر، ولا داعرة إلا أن أجبرت على ذلك، وهي تخلص أيما إخلاص إن أخلص لها، فهي تمضي جلّ عمرها تبحث عن الحب الذي يختص بها، وتجد فيه صديقها وعشيقها وزوجها.
هل امتلكت المرأة جرأة الوقوف إلى جانب المرأة، وتخلت عن اعتبارها ضرتها ووحدت لغتها المطلبية؟ فإذا لم تنتصر لوجودها فسيبقى الرجل يعتليها ويدير قدراتها ومنتدياتها ومؤتمراتها، ويضع لها أسس عملها.
متى ستنتهي المرأة من الخوف والهروب من كلمتي أنا متزوجة، وأنا عذراء، أو لن أقدر على التعارف قبل أن تطلب يدي؟ متى ستبادر إلى تنظيم أسرتها، وأن طفلاً أو طفلين يكفي؟ وأن جسدها هي وحدها من تمتلكه، ولها الحرية في منحه والحفاظ عليه لمن هي تريد ضمن أصول رشدها وفهمها لاحتياجاته، أي بعيداً من المساومات أو تقصير المشرف عليها مادياً أو جنسياً، ولكن هل القوانين الشرعية تتوافق مع توجه المساواة وتقدم الحرية الفكرية عند الأنثى، أم إنها مدانة عند أي تجاوز؟ وأيضاً نجدها محكومة للإرث والعادات والتقاليد، حتى الأمهات اللائي مررن بمراحل المراهقة والشباب قبل الزواج كن يقلن عندما أصبح أماً سأمنح الكثير من الحريات، وبشكل خاص للبنات، وحينما غدون أمهات مارسن الطقوس ذاتها، وأضفن عليها، وهنا أستثني البعض الذي تنور، ومعهم معتنقو الديانات الأخرى ضمن مجتمعاتنا العربية التي تطورت في شرقنا كثيراً، وهنا أيضاً علينا أن ننتبه، فأنا لا أنادي بالإباحية، ولا بالخروج عن الأعراف، إنما أتجه إلى العلمية وبناء علاقات واضحة وصريحة.
ندية المرأة تمتاز بالاضطرابات العاطفية الناتجة عن عدة ظروف، منها الحمل والإرضاع والدورة الشهرية وانقطاعها والحب، وفشلها أو نجاحها فيه، وخيانة الحب ولهاثها خلف الرجل زوجها أو حبيبها في حركته ومسيره وآثاره المتروكة على الملبس والجسد، وأين ذهب ومع من جلس، ومتابعة الأبناء وتقدمهم وتأخرهم العلمي والعملي، فهي تفقد الكثير من مباهج عمرها، ولحظة أن تستفيق تجد ذاتها وقد سرق العمر منها أجمل ما فيها، إنها تمتلك جاذبية نوعية، تمتلك العديد من الأسرار، وما ينساب من بين شفتيها يؤكد حضورها أو نفيها، ما يأخذ بنا للقول: إنه لا يمكن لنا أن نتخيل الحياة من دون المرأة، التي لا تجمع، لأنها بمفردها جمع، والسبب أنه من الممكن أن تكون أكثر وأكثر مع حملها وحبها وردود فعلها وانتقامها، هذه التي تحمل صفات الأنثى اللبوة التي تقتحم الحياة العامة إلى حياة الرجل، بعيداً من اتزانها، فإذا بالغت فيه حدّ من جرأتها أمامه رغم قدرات إمكاناته الجسدية وقدرته على اختراق الصعاب، ما يهيئ له الوصول إلى مصانع القرار، وهذا ما يشير إلى أن المرأة لا توازي جرأة الرجل، إلا أن امتثالها لقواعد الحياة ومن ثم اختراقها وهي قادرة إن سيطرت على عواطفها، أن تتجاوز قواه وقدراته، ولنا في الطفرات، منها ما يؤيد ذلك، فالعصمة مثلاً في يد الرجل من أجل الحفاظ عليها، ولو أنها بيدها لتزوجت وطلقت في كل يوم رجلاً، وربما كان استجاب إلى ما تريد، هي حكمة الانفعال وضبطه في لحظات القضايا المصيرية، وأن كل ما فات من عمر النساء لن نتوقف عنده، المهم الآن أن يبدأا في إعداد الأجيال الصاعدة حالياً وإلى الغد، فأهم ما ينبغي أن يكون هو التوجه السليم ضمن مراحل التكوين، وبشكل خاص مراحل المراهقة، وحمايتهن من التجارب الضارة، وعوامل الخطر التي قد تؤثر في قدراتهن في النمو العقلي والجسدي، ومعه يكون بناء الفكر الاجتماعي والحقوقي، وهذا ما يجب أن تتبعه الأسر، وتشجعه الدولة، كي يكون هناك إنسانية فاعلة منتجة مدركة لما لها ولما عليها.
تولد المرأة حرة، الرجل يقيدها، ومن المفترض أن يقيد القانون الرجل الذي صاغه بين الوضعي والشرعي، وشكمها خلفه، ومن ثم راح يدعو إلى تطويرها، فهذا اعتبرها هدفاً جنسياً، وذاك جسد رأسها وأخضعها حتى بالضرب في مضجعها، وهي حملت راية المساواة معه، وكثيراً ما كتبت أن المساواة لا تتم إلا بعد وصولها إلى الاستقلال الاقتصادي، ما يستوجب أولاً وأخيراً تعديلات حاسمة في القوانين الشرعية والوضعية التي تخصها.
هل راقبتم عبقرية المرأة وهي تغزل وتتغزل، وكيف بها تطارد الرجل من أجل مساواتها به، كما تطاردهم العدالة عند أصغر خطيئة، رغم أنها في مجتمعاتنا العربية عروبية في مطاويها الدفينة، تحمل أريحية نادرة وشاعرية جذابة ناهيكم عن السماحة والطيبة والإشراق الحسن وعذوبة الكلام وبشاشة المحيا، كل هذه الصفات لم تمنحها جرأة التخلص من إرث الماضي المحكومة له.
هل تستطيع أي امرأة كبت أحاسيس الأنوثة؟ حتى وإن نشأت نشأة الرجال، لا يمكن، لأن طبيعتها تستعيد حقوقها الأنثوية، أي يتداعى استرجالها عند أول خفقة حب أو نظرة عشق ثاقبة، فإلى من خطت بيراع النور فلسفة حضور الإنسان الذكر واستمراره، التي مازالت تخطّ بيراع الخلود سفر إنتاج الإبداع والتطور والعظمة والجلال القادمة من رحمها، هذا الذي منه ظهرت الأمم، وأضافت من خلالها تواريخ حضورها وحضوره، تقدّمي، تعلّمي، تعرّفي، امتلكِي قرارك، وكافحي وصولاً إلى ما تحلمين، تجرّئي بالحق ولا تهابي السقوط.