مع بداية الحرب على سورية وظهور فكرة «شاهد العيان» للضرب بمصداقية الرواية الرسمية السورية، أرسل لي صديق مقطع فيديو قام بتصويره في إحدى المدن الفرنسية، هناك حيث أدّت عمليات الحفر لإنشاء خط الترام إلى اكتشاف مقبرة جماعية قديمة، كان الفيديو من باب المداعبة حيث طالب فيه وعلى طريقة شهود العيان النظام الفرنسي بكشف ملابسات الجريمة متسائلاً: هل القتلى معارضون لنظام الحكم أم لقانون الطوارئ؟
عندما سألته ما الذي دفعك لهذه الفكرة؟ أجابني: ببساطة أردت القول للمخدرة عقولهم بأن أي شخص قادر أن ينحدر إلى المستوى المتدني من الكذب وقلة الأخلاق والضمير، فقط تربيته وأخلاقه من يردعانه.
منذ الأسبوع الماضي ضجّ العالم الأزرق بقيام زوج مطربة لبنانية بقتل مواطن سوري قالوا إنه لصٌّ دخل الشقة بهدف السرقة، حيث تركت هذه الحادثة الغامضة الباب مفتوحاً على الكثير من التساؤلات حول حقيقة ما جرى، غموض لم يدفع الأغلبية الساحقة فقط للتعاطف مع الحلقة الأقوى دون انتظار نتائج التحقيقات، لكنها بالوقت ذاته بدت عند «جحادر فينيئيا» فرصة مناسبة لتكرار خطاب الحقد والعنصرية على كل ما هو سوري.
في الحالة العادية اعتدنا على قيام طرف لبناني يمارس العنصرية حتى على اللبنانيين أنفسهم من منطلق «الصفاء العرقي الفينيئي»، لكن عندما تتحول «النزعة الفينيئية» إلى وباء فعلينا أن نسأل: متى سنقرر الدفاع عن مواطنينا؟
إن الدفاع عن السوريين في الدول التي يعملون بها يبدو مسؤولية السفارات السورية، أما في لبنان فالمهمة مضاعفة لأن الخطاب العنصري لا يتوقف، مع غياب شبه تامّ للبيانات التي ترد على من يسيئون للمواطن السوري، دون أن ننسى بأن قضية «هضم حقوق العمال السوريين» بدأت تتصاعد في لبنان في ظلّ الأحداث الجارية هناك، حتى «السارق المفترض» فإن نشر اسمه في الإعلام للتشهير به قبل إثبات إدانته جريمة بحدّ ذاتها.
ربما إننا كسوريين ساهمنا بتمادي الخطاب العنصري ضدنا عندما غضّينا الطرف عن الكثير من مطلقيه لدواع كثيرة لا مجال لذكرها هنا، من بين هؤلاء وزراء، نواب، رجال سياسة وإعلام، بعضهم قال في العنصرية تجاه السوريين ما لم يقله مالك في الخمرة، وبدلاً عن مقاطعتهم تراهم ضيوفاً مرحباً بهم في سورية، بعضهم يدعى لإلقاء محاضرات في الصمود السوري، كيف سيحاضر بالصمود وهو لم يصمد أساساً أمام نزواته العنصرية؟! حتى لو ظهر هذا الخطاب موجه لأولئك الذين يصرّون أن يكونوا ورقة دولية، لكن الخطاب العنصري لا يميز، ومن يتحدث فهو يتحدث عن كل السوريين بما فيهم أولئك الذين شكلوا نهراً بشرياً في عام 2014 للوصول إلى سفارتنا للقيام بدورهم بانتخاب مرشحهم لرئاسة الجمهورية.
في الخلاصة: على طريقة فيديو شاهد العيان، لو أردنا كسوريين أن ننزل إلى مستوى الإمعات التي تعاني عقد النقص تجاه كل ما هو سوري لفعلنا، وما توقفنا عن التهكم على عقد النقص لديكم ولدى أي عنصري أياً كانت جنسيته، لكن تربيتنا ببساطة تمنعنا أن ننحدر إلى هكذا مستوى، تربيتنا تقول لنا إن العنصرية لا تتجزأ، هي ليست كما الأورام قد تكون حميدة أو خبيثة، هي داءٌ خبيث يجب الوقوف بوجهه، وبذات الوقت على الجهات الرسمية والإعلامية في سورية أن تقف موقفاً واضحاً تجاه هذه الظاهرة، فالعنصري شخص يجب أن تتم مقاطعته وألا تقبل توبته، وألا يعطى مساحة إعلامية لتبرير خطابه القميء، يجب أن يقاطع حتى من فكرة العمل معه أياً كان مجاله، فن أو سياسة أو حتى ملاهٍ ليلية، والأهم علينا فعلياً أن نستعيد زمام المبادرة في الدفاع عن المواطنين السوريين أياً كانوا.. بالمناسبة أليس هكذا دفاع هو فرصة لاستعادة المواطن السوري الثقة بحكومته؟!