هل تسامحين؟ هل تسامح؟ بين البحث عن الحق والتنازل عنه بين العناد والمنطق!
| ثناء خضر السالم
لعلّ ما أثار هذه المادّة في ذهني هو السؤال ذاته الذي وجهته لأبي عندما كنت أسأله كيف استطاع أن يسامح شخصاً قريباً جداً منه لمّا قام بفعلٍ مؤلمٍ اتجاهه كان له أثر سلبي على حياته بأكملها، قال لي وقتها: لِمَ لا أُسامح، اللـه يسامح.
إن قستُ الأمر على نفسي لا أجدني مثل أبي، فمن آذاني وآلمني لا يمكنني أن أنسى فعله معي، ولا يمكنني أن أتعامل معه، وكأن شيئاً لم يكن كما فعل أبي، ربما أكون مخطئة، لكنّ الألم يحفر عميقاً فيّ فلا أستطيع أن أنسى طعم الوجع.
اختلفت آراء النّاس الذين سألتهم في هذا الموضوع:
أحمد رجب «ناقد»: أعتقد أن المرء يجب أن يكون متسامحاً حتى يحافظ على مساحة النبل الإنساني، فالنبيل والسوي هو الذي يستطيع أن يسامح ويعفو، وفقدانك للقدرة على التسامح ناقوس خطر يجب أن تنتبه له جيداً حتى تنقذ نفسك من خطر القسوة الداخلية، فأنت حينما تعفو وتسامح وتترفع عن رد أذى شخص ما تمنح نفسك سلاماً داخلياً، قد لا يدركه سواك، وعجزك عن تقبل اعتذار الآخر دليل على قسوتك على نفسك، أو على قبح صورتك في مرآة ذاتك، فأنت لن تطلب من الآخرين أكثر مما تقدمه لهم، ومن ثم يجب أن تتحلى بفضيلة التسامح قبل أن تطلب من الناس أن يتحلوا بها، التسامح إذن يفيدك أولاً سواء في علاقاتك مع الآخرين أم فيما يمنحه لك من سكينة، بشكل عام أرى أن التسامح قوة وليس ضعفاً، لا يسامح إلا الشخص القوي نفسياً، الذي يستطيع الارتقاء فوق ضغائنه، لكن أيضاً على المرء أن يكون متوازناً في منحه مشاعره، فليس من الحكمة أن يعلّــق لافتة التسامح دائماً، فهو إن جاد بتسامحه على من لا يستحق فإنه يبدد طاقته النبيلة تلك، ولنتذكر أن أسوأ ما تفعله بنا القسوة يتمثل في إفقادنا القدرة على التسامح، تلك المقولة جرت على لساني حينما سألني صديق عن أثر القسوة في نفوس المقسو عليهم، هكذا وجدتني أقف عفوياً على العلاقة العكسية بين القسوة والتسامح، فإذا كانت القسوة تتبدى في الأذى الذي يلحقه بك الآخر، فإن التسامح ببساطة هو تجاهل ذلك الأذى، أو الصفح عنه، والتوقف عن الشعور بالاستياء منه، التسامح هكذا حالة داخلية، تخص المرء وحده، وهي بحسب اعتقادي ليست موقفاً عاماً يسم الشخصية، فأنت قد تسامح شخصاً ولا تسامح غيره، وقد تصفح عن خطأ ارتكبه شخص ما، ولا تفعل ذلك مع خطأ آخر ارتكبه نفس الشخص، فالمسألة إذن نسبية في حالة التحلّي بها، لكن الخطر كل الخطر في فقدانها كلها.
علي كامل مقوص «فنان تشكيلي»: أسامح من يسيء عندما يكون المسيء بمستوى يفهم ويقدر مستوى الفعل ويحاول الابتعاد عن هكذا سلوك، المسامحة تأتي من شخصية متماسكة قوية تستطيع أن تتجاوز حدود المواقف بردود أفعال سريعة القرار ومتسرعة في الأحكام، كل الأديان بنيت على الخير والمحبة وجوهر الإنسانية يرتكز على المحبة والميول نحو الارتقاء بمستوى السلوك الإنساني إلى قمم تجسد مفاهيم التواصل مع الخالق العظيم ليتوصل الإنسان إلى الصفاء الروحي جوهر الإنسان كما فعل الأنبياء والمرسلون.
م. إ «موظف»: العفو عند المقدرة، فإن فاق الأمر المقدرة حتماً لا أسامح.
بشرى خضور «سنة أولى معهد صحي»: أسامح كثيراً، ولكن أصدقائي يستغلّون طيبتي ويعيدون الإساءة لي والخطأ بحقي، فلا أدري إن كنت سأتخلّى عن هذه الخصلة.
فضّة حمّود «ربّة منزل»: أنا أسامح الذي لم يقصد أذيّتي، أمّا إن قصد فلا أسامحه.
راجي إبراهيم «عسكري»: أسامح إن كانت المسامحة تعلّــم الشخص الآخر أن يحترم حدود الآخرين ويكفّ عن الأذى.
هاشم خضور «موظف متقاعد»: تختلف قدرتنا على المسامحة باختلاف درجة الإساءة. أنا أسامح لكن لا أنسى.
فتاة حسن «مدرّسة متقاعدة»: لمّــا نسامح شخصاً لا يقدّر نسيءُ إلى أنفسنا، ونشعر ساعتها بالهوان، إن سامحنا الشخص الذي لا يفهم قدسية المسامحة نسيء أيضاً لقدسيّة المفهوم، عندما يسيء لك من كانت تربطك به علاقة وطيدة لا يمكنك أن تسامح.
ش. د «خريجة لغة عربية» أسامح لكن لا أنسى، على مبدأ كويللو؛ لأن من يسامح يقع في الجحر مرتين، أترك العقاب لرب العرش، أسلّمهم له، وحده يتكفّل بهم فقد اعتدت على القبول، وقبولي يحكمه تسليمي بحكم القدر.
نعمى خضور «رياضيات سنة رابعة»: أسامح بعد أن أظهر حقي، فإن سكتُّ عن حقي فلن أكون بخير، وقد يعيد الشخص ذاته الخطأ بحقي وقتها أنا لا أسامح.
حسب معرفتي بنفسي ومعرفة من حولي بي أنا لستُ شخصاً لئيماً، لكن شخصاً آلمني ومازال ألمه يخِزني كلما رأيته لن أسامحه، قد أسلّم عليه وأحدّثه بلطف في مجلس عزاء كما حصل مرّة، وقد أتجاوزه دون أن أرمي السلام عليه كما حصل مرة، وهذا يعود إلى درجة الأذى التي تسبّب لي بها وفي المقابل لن أنتقم منه ولن أكرهه.
لذا سامحوا متى قدرتم فالتسامح قوة وليس ضعفاً، ليتني أستطيع ذلك.