في المطارات التي تمر بها في طريقك بين مدينتين أو ثلاث، من أوروبا إلى الشرق الأوسط، وبالعكس، يختلف البشر والحكومات في وعيهم واستجابتهم لتهديد المجهول المتمثل بانتشار فيروس كورونا.
الاهتمام الذي بدأ يأخذ درجات عالية في مطارات العالم الغربي، ما زال متواضعاً أو مخفياً في مطارات الشرق الأوسط.
في الطائرات، يرتدي كثيرون الكمامات الطبية، ويشيحون بنظرهم عن جيرانهم في المقاعد خلال الرحلات الطويلة. بعضهم يتفادى الحديث، وحتى النظر في الأعين. لكن حركات أيديهم المرتبكة ولغة جسدهم المنطوية، تعكس شعورهم بالإحباط.
فالفيروس يمكن أن يوجد في كل مكان، على أسطح المقاعد، على الطاولات المطوية، في صواني الطعام التجاري الذي يقدم، وأيضاً في أنفاس المضيفين الذين يجولون العالم ويختلطون بآلاف البشر شهرياً.
يخرج بعض المسافرين من الطائرة كمن خرج من سجن، من مساحة ضيقة لمساحة أوسع، بحيث يمكن ترك مسافة متر أو أكثر بين المسافرين.
في مطارات أخرى، كمطارات منطقتنا، تمر قصة الفيروس، كأنما نيزك يتقدم من الأرض، ينتظره البشر بلا حيلة أو مقاومة.
يؤمن كثيرون في هذه البقعة من الأرض، بأنه لن يصيبك «إلا ما كتبه اللـه لك»، ومن ثم فإن المبالغة في الخوف من المرض، ستجلبه لا محالة، فهذا ما تعلمناه في ثقافتنا العامة.
«إن تخش شيئاً يصبك».
كما أن طرق الموت في هذه المنطقة كثيرة ومتنوعة، وفيروس مجهول، في أقصى أقاصي الأرض لن ينزع إرادة الحياة المتهكمة والمُسلِّمَة معاً.
لذا من الأفضل التحلي بالإيمان والصبر، فهذا الفيروس سيعبر كما عبر غيره، وسيقتل من يقتل ويختفي.
لكن حقيقةً، فإن تجنب الفيروس شبه مستحيل، وخصوصاً لمن يعيش حياةً طبيعية، بين الأسرة والعمل والأصدقاء وسائر نشاطات الحياة اليومية الاعتيادية.
أيضاً فإن منعه على مستوى الدول شبه مستحيل، بسبب حركة السفر والتنقل القائمة التي لا ترتبط فقط بالشؤون الاجتماعية وإنما الاقتصادية والسياسية وغيرها.
لذا فإن توقف عجلة العالم عن الدوران بسبب مخاوف كورونا ليست بالوارد بعد.
حتى في «ووهان» الصينية، المدينة الأشهر عالمياً الآن، يرفض البعض أن يستسلم لذعر الفيروس المرتبط في نسمات الهواء، وأنفاس العابرين، ونظراتهم.
يخرج كثيرون للتسوق، ويسعدون للغاية بالمتاجر القليلة التي ما زالت تفتح أبوابها للزبائن، بل إن ثمة من يخرج لينزه كلبه، وليدخن سيجارة ساخرة من المرض الرئوي القاتل.
البعض الآخر يتجول مصوراً المدينة التي لم يرها من قبل بهذا الشكل المذعور والراضخ.
من لا يخرج يصِحْ من النوافذ، ومن على التراسات في الأبنية الشاهقة، فيرد عليه آخرون من سكان المدينة نفسها. تتردد صيحات الجميع في جملة واحدة «ووهان ابق قوية».
في مذكرات يومية كتبت فتاة صينية، عن العيش في المدينة المعزولة تماماً عن العالم.
عن الصيدليات التي نفدت لديها الكمامات والمعقمات. في مكان آخر قرأت أن الناس تستخدم الحمالات الصدرية النسائية كبديل عن كمامات الأنف والفم. الحاجة أم الاختراع، في بلد بدأت مدنه جميعها تعيش ذعر كورونا، لدرجة طرد من لا يرتدي الكمامات من الحافلات العامة.
تكتب الفتاة أنه ربما نفدت الكمامات في كل المدن. تماماً كما نفدت المعكرونة وجبة الصينيين الرئيسية.
«الانتظار ربما يكون، حتى شهر أيار» تكتب يائسة، وهي تحاول التفاؤل بشروق الشمس في اليوم التالي.