بالحب وحده يحيا الإنسان … محمد خير الجراح في «سلطان زمانو».. مساحات ترفيهية ومعالم روحية ووفرة في المشاعر
| وائل العدس
في محاولة لإعادة أمجاد المسرح الشعبي إلى سابق عهده، وعلى مسرح الخيام بدمشق، يستمر تجمع «مسرح سورية» بعرض مسرحية «سلطان زمانو» أيام الخميس والجمعة والسبت من كل أسبوع، بدءاً من الثامنة والنصف مساءً، وهي مسرحية اجتماعية كوميدية ناقدة من بطولة وإخراج النجم محمد خير الجراح، وإنتاج أسامة سويد، ونص وتعاون فني سعيد حناوي، وكلمات الأغنيات للشاعر مضر شغالة والألحان لمعن دوارة.
ويشارك في التمثيل أيضاً مجموعة من المواهب التمثيلية التي تستحق الوقوف عندها وهي أريج خضور وفادي حموي ورشا رستم وأحمد حجازي وسمير الشماط ومحمد سويد، إضافة إلى فرقة جلنار للمسرح الراقص بقيادة الفنان علي حمدان، والراقصين هم بسمة الهابط و روان الرحية وإبراهيم كربوج وجهاد السقا وظهور خاص للنجم محمد قنوع.
وتستمر العروض حتى حلول شهر رمضان المبارك والانشغال بالدراما التلفزيونية، على أن يتخلل هذا الوقت عروض في عدد من المحافظات السورية.
وبدا العرض قريباً من الناس، يشبههم ويشبهونه، ويروي حكاية رجل يقع بغرام امرأة «بنت عمه» تعمل في تياترو ويفعل المستحيل للوصول إليها.
عصر السرعة
رغم معايشتنا لعصر السرعة، إلا أن الخطوات الفنية باتت تبطئ تقدمنا، فتجعلنا نقدم أعمالاً باهتة أفقدتنا الروح بعد أن أجبرنا على اختزال الوقت وطي المسافات، وبقدر ما يقدم لنا هذا العصر من رفاهية مجبولة بالسرعة والاتقان بأقل مجهود، نجده يطالبنا بإلحاح بأعمال وإجهاد مضاعف للذهن، حيث نعيش متأهبين لاختزال الأفكار الغزيرة المتناقضة واختزانها.
ومع تطور وسائل التواصل الاجتماعي، أصبح الناس يتوقون لأقصر وأبسط المواضيع بعيداً عن التعقيد، لدرجة جعلت بعض الجهات الإنتاجية تطرح مسلسلات قصيرة تُعرض عبر اليوتيوب، تمنح المشاهد حرية اختيار الوقت الذي يناسبه للمشاهدة في وقت لا يتعدى الربع ساعة على الأكثر.
كل ما سبق يجعل إطلاق عمل فني طويل محفوفاً بالمخاطر ونوعاً من المجازفة، لكن الأصعب أن تجبر الناس على التسمر ثلاث ساعات متواصلة، مشدوهين وموجهين أنظارهم إلى مكان واحد من دون كلل أو ملل، في حين تكمن الصعوبة الأكبر في إضحاك الناس في هذا الوقت العصيب.
وتقول إحدى النظريات إنك عندما تتفاعل مع عرض ما وتضحك، فأنت تظهر لأصحابه أنك تحبهم وتتفق معهم، وأنك منسجم معهم.
مسرحية «سلطان زمانو» التي تتابع عروضها للأسبوع السادس على التوالي، نجحت في اجتذاب الناس، بطروحات ومواضيع مختلفة في إطار كوميدي ترفيهي ساخر وهادف.
بين التسلية والتوعية
المسرحية شعبية تقدم باللغة العامية أو باللهجة الدارجة، وتعتمد على المواقف المضحكة والحركات الهزلية إضافة إلى فقرات الرقص والغناء، وهو النوع الذي يجتذب أعداداً غفيرة من المتفرجين الذين لا يجدون مجالاً للتسلية غير مشاهدة مثل تلك العروض، في وقت اسودت الحياة في وجوه كثير من الناس بسبب الظروف الصعبة وتبعات الحرب على سورية.
العرض خلق عالماً متخيلاً عمل على إيجاد مساحات ترفيهية ثقافية، وخلق معالم روحية تستفز المدرك العقلي والحسي عند المتلقي، والكوميديا فيه مدت المتلقي باستبصار لا يتناول الحياة الإنسانية في أزمتها المجردة والعواطف الرفيعة المتصلة بها فقط، بل أكدت أيضاً على سلوكيات المجتمع وطرائفه ونقاط الضعف عنده، بذلك بدت علاقة الجمهور بالمسرح متقاربة عن طريق شيفرة النص وبنيته الدالة.
ولم تكتف المسرحية في الإضحاك فقط، بل وضعت يدها على الجرح من خلال تسليط الضوء على واقع المجتمع بإيجابياته وسلبياته بأسلوب سلس دخل إلى قلوب الناس بيسر وسهولة، مع الإيمان بأن الفن بجميع أنماطه لا يمكنه إحداث تغييرات جذرية في المجتمع والواقع المعيشي.
الملفت بالمسرحية بأنها خصت العائلة بأكملها لتلعب دوراً في لم شملها في وقت واحد، يتلقى من خلالها الجميع وجبة فنية ووقتاً سعيداً للتسلية والترفيه، فضلاً عن جوانب أخرى كثيرة من صلب الواقع، بحيث تضرب عصفورين بحجر واحد، فتقدم عنصر التسلية من جهة، وتلامس صلب الحياة اليومية من ناحية أخرى.
علماً أن دور التسلية يفوق دور التوعية في هذا التوقيت بالذات، فالإنسان الذي يقضي يومه في العمل لا بد له من مادة فنية تخفف عنه في آخر النهار خاصة عندما يجتمع مع عائلته.
ما بين النص والإخراج
يُعرف محمد خير الجراح بأنه ابن المسرح أباً عن جد، وبأن لديه الهاجس في تقديم مسرح خاص شعبي متزن بعيد عن الابتذال والتهريج.
ولذلك يحتوي العرض على وفرة من المشاعر بطريقة بسيطة، فالقصة المروية ممكن أن نكون قد شاهدناها بالكثير من المسرحيات والمسلسلات والأفلام ولكن ميزة العرض هي أهمية التناول، فاستطاع الجراح بخبرته المسرحية الكبيرة أن يقدم قصة قد تكون تقليدية ولكنه تمكن بلمسته الساحرة وبمشاعره أن يقدم من خلالها من أنبل ما يمكن للفن المسرحي أن يجود به.
كما أن النص الذي كتبه سعيد حناوي قدّم حواراً حضارياً عبر عرض تناول فيه مشاكل جميع شرائح المجتمع وعلى الأصعدة كافة.
مسرح سورية
وتكمن أهمية تأسيس تجمع «مسرح سورية» في الإقدام على إعادة تحديث مسرح الخيام الذي يحتضن هذا المشروع، آخذاً بعين الاعتبار رمزيته كتراث مسرحي وقف على خشبته أهم الفنانين منذ تأسيس المسرح السوري.
كما أن هذا التجمع بات فرصة سانحة لاستيعاب الفنانين الموهوبين رغبة في إثراء المشهد الفني من خلال التنقيب عن وجوه محترفة اكتسبت خبرة تؤهلها لنيل إعجاب عشاق المسرح، وبالتالي المساهمة في تحقيق نهضة ثقافية وإبداعية متجددة.
ومن المؤكد أن هذا التجمع يتوخى مجموعة من الشباب من محترفي المسرح الذين اكتسبوا تكويناً مسرحياً وثقافياً ومعرفياً، ويمتلكون إبداعاً وحساً فنياً مسرحياً مرهفاً.
وقد تمت المراهنة على مثل هذا التجمع من أجل الدفع بالنجوم المشاركين نحو ولوج أفق أوسع، تبذل فيه الجهود المضاعفة لإعداد وتقديم عروض لائقة.
ما قُدم ويُقدم عبر هذا العرض يتطلب منا الوقوف مع الذات، والإجابة عن عدة تساؤلات، أهمها: لماذا لا يحظى هؤلاء النجوم بفرص تلفزيونية وسينمائية يستحقونها طالما أن التلفزيون والسينما يحققان الشهرة والمال في وقت نجد فيه البعض من عديمي المواهب يتصدرون الشاشات الكبيرة والصغيرة بكل فجاجة؟
الحب الحقيقي
مقولة العرض الحقيقية اختصرت بما ختمه «سلطان زمانو/محمد خير الجراح» عندما قال: «الحب هو الحكاية، الحب أصل الرواية، بالحب منغني ومنعيش ومنحلم ببكرا اللي جاي، بالحب منعمر ومنكمل، بالحب حياتنا جنة وليالينا السودا مضواية».
خرج العرض ليقول: بالحب وحده يحيا الإنسان، وإن الجميع يعرفون التضحية لكن هناك من يضحي لك، وهناك من يضحي بك، وإن التضحية هي أساس الحب وجوهره.