المؤشرات المتلاحقة عن المسعى السعودي لاستعادة العلاقات مع سورية، تبقى غير كافية، ورغم أن لها العديد من المفاعيل المؤكدة على ذهابها بالاتجاه الايجابي، إلا أنها في الوقت عينه تبقى محاطة بمجموعة من الاعتبارات التي تضع هكذا علاقة في خانة الحمل الكاذب، وفي مقدمتها إلى أي درجة يمكن الحكم على القرار السعودي بالمستقل عن القرار الأميركي.
مؤخراً كان لافتاً لدرجة المفاجأة عدد وسائل الإعلام المختلفة التي نقلت خبراً كانت قد نشرته «الوطن» عن دعوة المندوب السعودي الدائم إلى الأمم المتحدة عبد اللـه بن يحيى المعلمي، لمندوب سورية الدائم إلى الأمم المتحدة بشار الجعفري، إلى حفل خاص أقيم على شرف وزير الدولة السعودي فهد بن عبد اللـه المبارك، تحضيراً لرئاسة السعودية للاجتماع القادم لمجموعة العشرين، وأمس بدأت وسائل الإعلام تتناقل أيضاً خبراً عن تجهيزات تجري في مكاتب الخطوط الجوية السعودية في مؤشر على الاستعداد لإعادة افتتاحها.
يمكن القول استناداً إلى الخبرين السابقين وإلى مجموعة من الأخبار السابقة التي أرسلت خلالها الرياض رسائل حسن نية تجاه دمشق: إن عين الرياض باتت مثبتة باتجاه دمشق.
لابد من الأخذ بالحسبان لدى تحليل مجموعة المؤشرات السعودية، مدى التبعية في العلاقة بين الرياض وواشنطن، إذ إن السعودية في حالة ارتهان كامل للقرار الأميركي، ومن ثم فإن أي قرار سعودي لا يمكن أن يكون مستقلاً.
المعادلة السابقة تضعنا أمام احتمالين: إما أن الرياض تقوم بإطلاق بالونات اختبار لاستعادة علاقاتها مع دمشق، وتنتظر أن يأتيها التعقيب من البيت الأبيض، أو أن الموافقة الأميركية على استعادة العلاقات السعودية مع سورية باتت في أدراج الرياض، ولعل ما يدعم هذا الاحتمال هو العودة السابقة للعلاقات السورية الإماراتية وإن كانت تلك العودة لا تزال خجولة، ولم تأخذ مفاعيلها.
يشكل التناقض الحاصل بين الأطراف التي دعمت وقادت الحرب الإرهابية على سورية، واحدا من المبررات لفهم الاندفاع السعودي باتجاه استعادة العلاقة مع سورية، إذ إن التناقض الكبير بين تركيا والسعودية كطرفين شاركا في الحرب الإرهابية على سورية، بدأ يتجلى في مسعى الرياض إلى إعادة هيكلة «هيئة التفاوض» المعارضة، وفي الدعم السعودي للقوى الكردية التي تتهمها أنقرة بـ«الإرهاب».
انطلاقاً مما سبق يشكل التناقض التركي – السعودي، أحد العوامل التي تفسر رغبة الرياض في استعادة العلاقة مع دمشق، وخصوصاً بعد تراجع الدور السعودي في الملف السوري على خلفية استعادة الجيش السوري السيطرة على الغوطة الشرقية لدمشق وانتهاء مسار جنيف، إذ شكلا ضربة قوية لدور الرياض في الأزمة السورية، باعتبارهما أداتين رئيسيتين من أدواتها في الحرب الإرهابية على سورية، ومن ثم فإن انتقال تلك الأدوات إلى يد النظام التركي من خلال خروج مسلحي الميليشيات المسلحة المدعومة سعوديا إلى الشمال، وانتقال ثقل حل الأزمة السورية إلى مسار أستانا التي تعتبر تركيا أحد ضامنيه، مثل عامل ضغط مضاعف على النظام السعودي.
تساقط أوراق السعودية في سورية وزيادة أوراق تركيا، دفع الرياض إلى إعادة التفكير بدورها في الملف السوري بحثا عن موقع جديد يمكنها من التقارب مع دمشق، وخصوصاً مع اقتراب الجيش العربي السوري من تحقيق النصر النهائي على الإرهاب.
على المقلب الآخر وانطلاقاً من أن القرار السعودي مرهون بالكامل للقرار الأميركي، فيمكن فهم ما تردد من أنباء أمس عن التجهيزات التي تجري في مكاتب الخطوط الجوية السعودية على أنه خطوة ثانية بعد أن مرت الخطوة الأولى المتمثلة بدعوة الجعفري دون تعقيب أميركي، ولكن بتوضيح سعودي غير مقنع!
عدم استقلالية قرار الرياض، يجعل احتمال تراجعها في أي لحظة عن المزيد من الخطوات الإيجابية باتجاه دمشق، أمراً قائماً، إلا أن على المملكة أن تدرك أن موازين القوة السورية في المنطقة والإقليم والعالم وقوة حلفائها أيضاً باتت تضبط بالثواني، مع كل طلقة يطلقها الجيش العربي السوري، وإذا ما كانت سورية أعلنت مرارا أنها لم تتخل يوماً عن عمقها العربي، وإنما بعض هؤلاء العرب هم من أغلق سفاراته بدمشق، وأنها مستعدة اليوم لعودة علاقاتها مع تلك الدول، فإن غداً قد تكون هناك حسابات يترتب على المملكة تسويتها قبل أن تطرق أبواب دمشق.