ربما نستطيع وصف الأيام الثلاثة الماضية بأنها كانت الأكثر تأثيراً على الساحة السياسية في الولايات المتحدة الأميركية وعلى الانتخابات الرئاسية القادمة، إذ وكما هو معروف فقد انطلقت في ولاية أوهايو يوم الإثنين 3 شباط الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي لاختيار مرشحه لخوض المعركة الانتخابية ضد الرئيس الحالي دونالد ترامب، أما في اليوم التالي وهو الثلاثاء 4 شباط فكان موعد إلقاء الرئيس ترامب خطابه الأخير «حال الاتحاد» لهذه الفترة الرئاسية أمام الكونغرس بمجلسيه، في حين في يوم الأربعاء 5 شباط صوت مجلس الشيوخ في قضية عزل الرئيس.
ينص الدستور الأميركي في الفقرة الأولى من القسم الثالث من المادة الثانية على «أن يقوم الرئيس من حين لآخر بتقديم معلومات عن حال الاتحاد إلى الكونغرس، وأن يوصي بالنظر في تلك التدابير التي يحكم بضرورتها وسرعة تنفيذها».
لذلك يقوم الرئيس الأميركي مرة كل سنة وخلال فترة رئاسته بإلقاء خطاب في مبنى الكابيتول في جلسة مشتركة بين إدارة البيت الأبيض ومجلسي النواب والشيوخ وقضاة المحكمة العليا. وتأتي أهمية هذه الجلسة لأنها المرة الوحيدة التي توجد فيها جميع فروع الحكومة الفدرالية في القاعة نفسها. فالرئيس يمثل السلطة التنفيذية أما أعضاء الكونغرس بمجلسيه فيمثلون السلطة التشريعية وقضاة المحكمة العليا هم السلطة القضائية، ما يعتبر فرصة للرئيس لمراجعة إنجازات العام الماضي واستعراض برنامجه للعام المقبل.
تاريخياً بدأ تقليد خطاب «حال الاتحاد» عام 1790 عندما ألقى الرئيس الأول جورج واشنطن رسالته السنوية أمام الكونغرس، تبعه في هذا الرئيس الثاني جون آدمز 1797، انقطع هذا التقليد مع الرئيس الثالث توماس جفرسون1801 الذي اكتفى بإرسال رسالة خطية سنوية للكونغرس، أعاد الرئيس وودرو ويلسون 1913 تقليد إلقاء الخطاب شخصياً أمام الكونغرس وكان خطابه أول خطاب أذيع عبر الإذاعة، أما في عهد فرانكلين روزفلت عام 1932 فقد أصبح الأميركيون يشاهدون الخطاب في قاعات السينما، وفي عام 1945 أصبحت هذه الرسالة الرئاسية السنوية تعرف رسمياً بـ«خطاب حال الاتحاد». ويحق للمعارضة الرد على «خطاب حال الاتحاد» الذي يلقيه الرئيس، وهناك رد تقليدي متلفز للمعارضة ظهر عام 1966 منتقداً خطاب الرئيس الديمقراطي لندون جونسون.
عادة ما يصيغ الرؤساء جملاً خلال الخطاب تدل على الفكرة الأساسية لسياستهم القادمة، ففي 6 كانون الثاني 1941 أورد فرانكلين روزفلت عبارة «الحريات الأربع»: حرية التعبير وحرية العبادة وحرية التحرر من العوز والتحرر من الخوف، من أجل تبرير المزيد من تدخل الولايات المتحدة في الحرب العالمية الثانية، أما جورج بوش الابن فصاغ عبارة «محور الشر» في خطابه عن «حال الاتحاد» عام 2002 مبررا حربه على محور الشر الراعي للإرهاب، في حين أعلن ترامب في خطابه الثاني عن «حال الاتحاد» عام 2018 أن «حالة اتحادنا قوية لأن شعبنا قوي».
في خطابه الثالث والأخير ما قبل الانتخابات استعرض ترامب إنجازاته المتعلقة بالاقتصاد والهجرة والوظائف بالإضافة إلى إنجازاته في السياسة الخارجية. وأكد أنه «وفى بوعوده التي قطعها» وأن «أيام استغلال أميركا قد انتهت، وأن الاقتصاد أصبح اليوم في أفضل موقع». لم تخلُ خطبة ترامب عن حال الاتحاد من «الدراما» المعتادة فقد برز التوتر بينه وبين نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب التي لم تقدم الرئيس بشكل لائق ومزقت خطابه بعصبية بعد أن تجاهلها ترامب ولم يصافحها.
كان خطاب حال الاتحاد الذي ألقاه الرئيس ريتشارد نيكسون عام 1974 والذي سبق استقالته من منصبه الأشهر والأكثر جدلاً في تاريخ الولايات المتحدة، لكن على ما يبدو أن خطاب حال الاتحاد لهذا العام أخذ الصدارة فهو لم يخلُ من الدراما والتشويق.