في مراهقتنا ابتدعنا لعبة كادت تؤدي إلى كارثة.
أثناء العبث بإحدى وسائد البيت اكتشف صديقي جورباً نسائياً، ومتأثراً بأحد الأفلام جربه على رأسه، فرأى التشوه القبيح الذي يحدثه عليه. قرر أن يحول الأمر للعبة تخويف، فتسلحت مجموعة منا بالجوارب، وآخرون قاموا بالشحن النفسي، وسرعان ما انتشرت شائعات عن مشوهي الخلقة يخرجون من الوادي ليلاً لتصيد الأهالي.
وانتقل وعي الناس للتصديق بعد أن أغنت الشائعات والقيل والقال القصة، وحولتها لقصة رعب يومية، استدعت إشهار المسدسات الحربية في أوجه أفراد الشلة الشقية. ومن الطريف أن أكثرنا حماساً لهذه اللعبة، كان حين يعود ليلاً من سهرته اليومية، يرتدي الجورب في طريقه للمنزل تحسباً من محاولة أحد إخافته.
تذكرت القصة التي تعود لثلاثين عاماً، وأنا أدخل متجراً صينياً في أحد أحياء برشلونة.
وضعت البائعة ستاراً بلاستيكياً شفافاً بينها وبين الزبائن ولبست قناعاً وقفازات. موظفو المتجر «وهم عادة من الأسرة ذاتها» ارتدوا الأقنعة والقفازات أيضاً وحافظوا على مسافة من الزبائن.
لم أعرف إن كان سبب ذلك هو الإجراءات الصينية الاحترازية في البلد الأم، أم تحسباً لأي ردود أفعال عنصرية ارتكبها البعض ضد الصينيين في العالم مؤخراً، بحجة تحميلهم مسؤولية وجود مرض كورونا.
أما خارج المتجر فكانت الحياة بطبيعتها التامة.
الطبيبة في المستوصف، حيث قمت بزيارة سريعة أصرت على المصافحة، ومن ثم التعقيم. الأطباء بالمجمل يتحدثون عن إنفلونزا صعبة، قد تكون قاتلة ولاسيما للمسنين. أحاول تخيل أن تكون الأخبار المتداولة حالياً هي عن مرض الكريب الشائع. إصابة 630 شخصاً في إيطاليا بالكريب. ثم وزير ما، ولاعب رياضي، ووفاة شخص تبين أنه مسن. تساعد الفكرة في التقليل من القلق الذي تغذيه وسائل الإعلام.
لكن الناس عموماً لا تفكر هكذا. فمجرد إعلان الحكومة الإسبانية نيتها اتخاذ إجراءات احترازية ومن ثم الطوارئ، ارتفعت حمى التبضع الغريزية، وفرغت رفوف المتاجر الكبرى بظرف ساعات، وذلك بعد أن كانت ارتفعت أثمان المعقمات عدة أضعاف، واختفت تماماً الأقنعة الواقية.
على بعد عدة أمتار من المتجر بزبائنه المستعدين لنهاية العالم، يفتح النادي الرياضي أبوابه بشكل طبيعي. يذكّر الزبائن بأن عليهم فحص حرارتهم قبل الدخول للمبنى بجهاز قياس حراري. ومن ثم يدعو الزبائن لاستخدام أجهزة رش المعقمات المنتشرة بكثرة.
مثلها تم توزيعه في صالات العمل والمكاتب لدى الشركات، لكن هذا لم يمنع البعض من سرقتها، أو تعبئتها بزجاجات خاصة. من جهة أخرى سمح البعض الآخر لزملائه بالاستخدام المجاني لعلبة تعقيمه الثمينة في هذه الأيام. وللحظة يبدو البشر جميعاً دون أقنعتهم اليومية المعتادة. من زجاج وغبار.
تكبر الأزمة، منذرة بخطورة أعمق. أتذكر حينها الاختناقات الكثيرة التي مرت بمنطقتنا، وبسورية.
من نقص المواد، لغلائها الفاحش، للاحتكار، للحصار، للموت المجاني، لانسداد الأفق، للجفاف، والفيضانات وهجمات الجراد والحشرات.
لا شك أننا من صخر، بقوالب من خيزران.
حتى حين لا ندري ما بنا. نصمد. في العقد الماضي مرت بنا جائحة الفيروس المعروف بأنفلونزا الخنازير. وبشكل ما، نقلت إحدى قريباتي القادمة من السفر عدوى سعال جاف، وحرارة مرتفعة لابني، فدخل الاثنان المشفى. وبعد أيام أصابتني الأعراض ذاتها. خرجنا منها سالمين بشهادة طبية تشير لالتهاب رئوي، وانتهى الأمر هنا.