يكشف سجل الخطاب الإسرائيلي الإعلامي العلني وخاصة أثناء حرب تشرين عام 1973 وما بعدها عن أسلوب منهجي في عدم السماح للعرب الذين يخوضون الحروب ضد إسرائيل بمعرفة تأثير ومضاعفات حروبهم على جيشها وقادته السياسيين والعسكريين.
وفي هذه الأوقات بعد مرور 47 عاماً على حرب تشرين نشرت المجلة الالكترونية الإسرائيلية «نيوز 1» في التاسع من شهر تشرين الثاني الماضي بالعبرية اعترافاً لأوري ميلشتاين الذي يطلق عليه صفة «فيلسوف الأمن والتاريخ العسكري للجيش الإسرائيلي» يبين فيه أن أبحاثاً حديثة جرى نشرها وعرضها في حوار عبر الفيديو بين ميلشتاين وميخائيل برونشتاين مؤلف كتاب حديث عن حرب تشرين كشفت عن «أسوأ يوم أسود مرّ على تاريخ الجيش الإسرائيلي في اليوم الثاني لحرب تشرين 1973 الذي ظهر فيه أن غولدا مائير رئيسة الحكومة الإسرائيلية في ذلك الوقت، فكرت بالانتحار بسبب صدمة نتائج الحرب الأولى إلى حد جعل رئيس الأركان ديفيد اليعازار يتصرف بشكل متهور لطمأنتها حين علم أنها تفكر بالانتحار، وهذا ما شوش العمليات الهجومية المخطط لها بين اليعازار وبين قائد الجبهة الجنوبية شموئيل غونين وجعل الاثنين يتصرفان بطابع متسرع فوضوي».
ويكشف ميلشتاين أن «غولدا مائير أصابها شعور باليأس العميق دفعها إلى التفكير بالانتحار فقام ديفيد اليعازار بمحاولة لبث الثقة فيها فقال لها: غداً سيقوم الجيش بهجوم حاسم في جبهة الجولان وجبهة قناة السويس وسوف تنتهي هذه الحرب بانتصار كبير للجيش الإسرائيلي».
وكانت المصادر الإسرائيلية في صحيفة «جروزليم بوست» الإسرائيلية قد استشهدت قبل فترة بمناسبة مرور 40 عاماً على حرب تشرين بما كشفه مدير مكتب غولدا مائير حين ذكر للصحيفة أن موشيه دايان وزير الدفاع الإسرائيلي بكى بعينه الواحدة حين شاهد أثناء زيارته لجبهة الجولان دمار المواقع العسكرية الإسرائيلية في اليوم الثالث للحرب وطلب أن يتصلوا له برئيس الأركان ديفيد اليعازار لكي يبلغه بنقل أسراب من سلاح الجو من جبهة سيناء إلى جبهة الجولان وحين تأخر وقت الاتصال بعازار طلب منهم أن يصلوه بقائد سلاح الجو ليبلغه بتنفيذ هذا الأمر، على الرغم من أن ذلك يعد تجاوزاً لصلاحية قائد الجيش رئيس الأركان لأنه ليس من صلاحية وزير الدفاع إعطاء أوامر لقائد عسكري إلا عن طريق رئيس الأركان وهذا ما يدل على وجود حالة اضطراب في توجيه الأوامر المتسرعة في إيقاف تدهور قوة الجيش الإسرائيلي. ولهذا السبب قررت لجنة أغرانات المكلفة من الحكومة الإسرائيلية بالتحقيق بأسباب «التقصير في حرب تشرين» وهو الاسم الذي أطلقته إسرائيل على الهزيمة التي لحقت بجيشها، إلقاء مسؤولية الفشل على عدد من المسؤولين في المخابرات والجيش وفي مقدمهم رئيس الأركان الذي كان متسرعاً ولم يقم بالتنسيق المعد في خطط الهجوم وكذلك على رئيس المخابرات العسكرية الجنرال إيلي زعيرا الذي اتهم بدوره رئيس الموساد تسفي زامير بالتقصير والفشل.
وعلى مستوى الهزيمة المعنوية لم تسمح الرقابة الإسرائيلية بنشر عدد من التعليقات التي كتبها عدد من رجال الفكر الصهيوني عن حرب تشرين إلا في نهاية عام 1997 حين استغلت قيادة الجيش الإسرائيلي ذكرى مرور مئة عام على انعقاد أول مؤتمر صهيوني وسمحت بنشر عدد من الانتقادات كان من بينها ما كتبه البروفيسور الإسرائيلي اليعازار شفايد حين انتقد القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية بسبب إخفاقها في حرب تشرين 1973 وقال فيه: «إن نتيجة حرب يوم هاكيبوريم، أي حرب تشرين بموجب التقويم العبري بسبب تسميتها حرب يوم الغفران في إسرائيل، شكلت أكبر صدمة للشبان والجنود الإسرائيليين بسبب شعورهم بأنهم كانوا وحدهم وفوجئوا بحرب وضعتهم أمام موت مفاجئ وكلفتهم ثمناً باهظاً على حين كانت بقية يهود العالم هم الذين يتمتعون بالأمن لأنهم لم يأتوا إلى إسرائيل».
ولو تتبعنا ما جرى منذ عام 1974 حتى عام 1980 لوجدنا أن تلك السنوات الست شهدت فيها إسرائيل حملة هجرة عكسية لعشرات الآلاف من الإسرائيليين باتجاه أميركا وأوروبا وكندا إضافة إلى توقف الهجرة إليها وهذا ما جعلها تسرع نحو تنفيذ عملية تهجير سرية في بداية الثمانينيات لآلاف من الإثيوبيين الذين عدتهم يهودا منسيين وحان وقت تهجيرهم! فعقدت صفقة سرية مع الرئيس السوداني جعفر النميري بواسطة الموساد، وهوجهاز التجسس والمهام الخاصة، لاستقبالهم في أحد مطارات السودان ونقلهم منها بالطائرات إلى تل أبيب مقابل رشوة مالية للنميري.