التدخل الأميركي في أفغانستان مثال مدرسي على إستراتيجيات التخبط الدولي لواشنطن، فمع مرور عشرين عاماً على الوجود الأميركي في أفغانستان، ومع اقتراب انسحاب ما تبقى من الجنود الأميركيين، تحاول إدارة الرئيس جو بايدن تعديل اتفاق السلام الموقع في الدوحة بين أميركا وحركة طالبان في عهد الرئيس دونالد ترامب بأقرب وقت، قبل إتمام الانسحاب المقرر في الأول من أيار القادم، وذلك ليتناسب مع رؤية الإدارة الجديدة للعلاقة مع أفغانستان، وقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن: «إن بلاده تدعم حلاً سياسياً عادلاً ودائماً في أفغانستان»، في حين أكد وزير الدفاع لويد أوستن أن «قوات بلاده لن تقوم بانسحاب متسرع وغير منضبط».
وبعيداً عن الحديث حول السلام المنشود، أليس من المنصف أن نتوقف قليلاً عند الإنجازات التي حققتها أميركا خلال فترة وجودها في ذاك البلد؟
قررت الولايات المتحدة الهجوم على أفغانستان بعد أحداث 11 أيلول 2001، ما جعل البعض يعتبر أن أسباب الهجوم كانت موضوعية، ويقسم المحللون هذه الأسباب إلى: أسباب أولية وهي معاقبة تنظيم القاعدة والإطاحة بالحكومة الأفغانية التي أعطت ملاذاً آمناً للقاعدة، ومنع أفغانستان من التحول إلى مركز للإرهاب العالمي في المستقبل، وأسباب ثانوية لها علاقة بمساعدة إنشاء حكومة جديدة في كابول والمساعدة في بناء منظومة دفاعية جديدة وتطوير المؤسسات الديمقراطية والاقتصادية، وقد كانت أولى الضربات العسكرية الأميركية مؤثرة إذ أطاحت بنظام طالبان في غضون أسابيع بمساعدة القوى المحلية التي تعاونت مع واشنطن، وفي عام 2005 أعلنت رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي أن الحرب على أفغانستان انتهت، لكن قوات التحالف الدولي برئاسة أميركا لم تغادر بل بقيت في مكانها في عهد جورج بوش الابن، وتقلص عدد القوات في عهد باراك أوباما إلى 100 ألف جندي ثم إلى 8400 جندي، وفي عهد دونالد ترامب بقي في أفغانستان 2500 جندي أميركي على أن يصل إلى الانسحاب الكامل في الأول من أيار القادم.
بعد مرور عقدين من الزمن، لم تحقق الولايات المتحدة أياً من أهدافها المعلنة، فحركة طالبان لم تنهزم ولم تتحول أفغانستان إلى بلد مستقر يعيش على الطريقة الغربية، بل أدت الحرب إلى سقوط عشرات الآلاف من الضحايا الأفغان وخسر الجيش الأميركي أكثر من 2000 جندي. أما تكلفة الحرب فوصلت إلى نحو 50 مليار دولار.
قد يقول قائل: ما الغريب في الموضوع فالأمثلة كثيرة في التاريخ على الدمار الذي يخلفه التدخل الأميركي في حياة الشعوب من حرب فيتنام 1968 والتدخل في الصومال 1993 وحرب العراق التي بدأت مع احتلال العراق 2003، وقد نكون نحن في سورية مثالاً حياً وشاهداً على تدخل الولايات المتحدة في بلادنا عن طريق أذرعها، تنظيمي داعش وجبهة النصرة الإرهابيين، بذريعة نشر الديمقراطية ثم من خلال تدخلها المباشر بذريعة القضاء على الإرهاب الذي هو أصلاً من صنعها، إلى التدخل الاقتصادي من خلال «قانون قيصر».
يعاني الشعب الأفغاني من الفوضى والدمار منذ عشرين عاماً، ويعاني أيضاً الشعب العراقي منذ ثمانية عشر عاماً، ويعاني الشعب السوري منذ عشرة أعوام بسبب سياسات أميركا وحروبها التي لا تنتهي.