في العلاقات الدولية بصورة عامة لا يحترم العالم إلا الأقوياء، وشرعية أي حق على أرض الواقع تكون فقط بمقدار ما يدعمه من قوة.
فلو شبهنا المجتمع الدولي بالمجتمع السياسي ضمن دولة ما، فستُثبت لنا وقائع التاريخ القديم والحديث على حد سواء بأن الصيغة التي يُحكم بها العالم، أو لنقل صيغة التحكم بالعالم، لا تستند مطلقاً إلى ما يمكن أن نسميه تجاوزاً «ديمقراطية دولية»، ولا إلى سيادة معايير القانون الدولي، ولا حتى إلى ميثاق الأمم المتحدة، ولا إلى قرارات «الشرعية الدولية»، بل لعل أفضل تشبيه للنظام العالمي هو تشبيهه بنمط «حكم القوة»، أو الـ«kratocray».
والنمط الأخير في أبسط تعاريفه هو الحكم الذي تكون السيطرة فيه للذين هم أكثر قوة، سواء كانت هذه القوة بطريق العنف أم الخداع، وهذا النمط، مع الأسف، هو النمط الشائع، ولعله الوحيد، في العلاقات بين الدول.
ربما يصح أكثر أن نقول أيضاً: إن نمط التحكم بالعالم يقوم على المزاوجة ما بين الـkratocracy أي حكم القوة، والـplutocracy أي حكم الثروة، وعبر هذين المعطيين، القوة والثروة، يحاول الغرب اليوم أن يكون في موقع الحاكم الأوحد غير العادل للكرة الأرضية بكل أرجائها وشعوبها وتفاصيلها.
لم تنفع الفيتناميين كل التساؤلات حول عدالة ما يرتكبه الأميركيون من مجازر على أرضهم التي تبعد عن الولايات المتحدة آلاف الكيلومترات، بل نفعهم ما أعدّوا للأميركيين من قوة كسرت الذراع الأميركية الطويلة، وأعادتها إلى بلادها بصناديق خشبية مكسوة بالأعلام.
كذلك لم ينفع اللبنانيين قرار مجلس الأمن رقم 425، ولا نفع الفلسطينيين في غزة القرار رقم 242، بل نفعتهما قوة المقاومة وعزيمتها وسلاحها، وكذلك أيضاً لم ينفع القرار ذاته 242 في تحرير القنيطرة وما حولها مما تمت استعادته من أرض الجولان، بل تم تحريرها بقوة السلاح في حرب تشرين وحرب الاستنزاف التي تلتها.
حتى سلام «كامب ديفيد» المنقوص على علّاته مع مصر، لم يكن ليرى النور لولا ما أنجزه الجيش المصري في يوم العبور.
الأمثلة أكثر من أن تعد وأن تحصى، والقاسم المشترك بينها جميعاً أن الحق يبقى مجرد قرارات دولية ليست أكثر من حبر على ورق، أو مجرد تصريحات وتمنيات ومناشدات تضيع في الهواء، ما لم يجد هذا الحق حِراباً تحميه، وتفرضه على النظام الدولي القائم على «حق القوة».
أدارت سورية مواجهتها للحرب العدوانية التي شُنت عليها بقوة جيشها وشعبها وتحالفاتها وذكاء قيادتها، ففرضت نفسها مجدداً على المعادلات الإقليمية، واليوم المؤشرات على العودة القوية الواثقة لسورية إلى المحيط العربي والإقليمي والدولي أصبحت واضحة، وأصبح بعضها في طور التفعيل، والمشهد القادم في المستقبل القريب لا تخطئه العين المبصرة، أما تلك التي لا ترى من خلال الغربال فعمياء بالتأكيد.
سورية عائدة إلى المنطقة بدورها السياسي وتشبيكها الاقتصادي وثقلها الجيوبوليتيكي، وعودتها تلك ستكون حيوية وضرورية لإيجاد صيغ متوازنة لحل الأزمات التي لا تزال تنهش الجسد العربي.
من ليبيا إلى اليمن، وصولاً إلى العراق ولبنان، سيعيد الدور السوري المُفتقَد التوازن السياسي المفقود، وسيزيد من استقرار دول المنطقة وحصانتها ضد أعدائها، وسيعيد بناء منظومات الأمن الإقليمي والتعاون الاقتصادي الإقليمي على حد سواء.
إن النجاح المرتقب للاستحقاق الانتخابي الرئاسي، وسير هذا الاستحقاق وفق المعايير الدستورية والقانونية السليمة، سيبعث من سورية رسالة قوة وثقة إلى كل العالم، وبمقدار ما يُظهِر هذا الشعب العريق وَحدته وقوته في إنجاح هذا الاستحقاق، فإن العالم بأسره، العدو فيه قبل الصديق، سيكون مضطراً لقراءة رسالة قوة سورية وعودتها الواثقة، وسينعكس ذلك، رغماً عمن يريد ومن لا يريد، على المناعة الوطنية والقرار المستقل والتعافي الاقتصادي السوري.
إذا كانت كل مملكة منقسمة على ذاتها تخرب كما قال السيد المسيح، فإن الدولة الموحدة بإرادة شعبها تعمَر وتقوى، وهذا ما لا يجادل به محدود البصيرة، فمما لا شك فيه اليوم أن وحدة القرار هي مفتاح القوة والازدهار.
إن سورية العائدة والواثقة، والمحررة قريباً من المجموعات الإرهابية وداعميها، هي سوق اقتصادية ناشئة وواعدة في آن، وهي على موعد مع استعادة الدورة الاقتصادية الزراعية والصناعية والخدمية القوية كاملةً، واستثمار ثرواتها الباطنية باحتياطياتها المهمة والمؤكدة، فضلاً عن دورها كمعبر للتجارة والترانزيت وخطوط نقل الطاقة، والنقل البري والبحري والجوي، ومن هنا ينبغي لكل من يريد أن يكون له قصب السبق في المشهد القادم السياسي والاقتصادي والاستثماري أن يبادر، اليوم قبل الغد، إلى أن يحجز مكانه في المستقبل السوري، فرجل الأعمال السوري المهاجر نتيجة ظروف الحرب، والمستثمر المغترب الذي يبحث عن إعادة توطين ماله في وطنه، وكذلك الفعاليات الاقتصادية الاستثمارية الإقليمية، وبعض من الدولية، جميعها معنية بأن تقرأ المستقبل القريب الذي تلوح معالمه الواضحة منذ الآن، والتي تنتظر الفصل الأخير من فصول الانتصار والتحرير.
Might makes right»» هكذا عبّر عنها الانكليز، «La raison du plus fort est toujours la meilleure» وهكذا رآها الفرنسيون.
«العالم لا يحترم إلا الأقوياء»، هكذا يقولها ويؤمن بها كل من يعرف حقيقة العلاقات الدولية وأسسها الواقعية، ومن هنا فإن رسالة هذا الاستحقاق هي رسالة قوة ووحدة وثقة، وهي تعبر عن قوة الشعب التي تتمم وتتوج ما أنجزته قوة الجيش، وهي التي بإمكانها أن تفرض احترام حقوق السوريين واستقلالهم، ومراعاة مصالحهم المادية والمعنوية على العدو كما الصديق.