بورصة الألبسة بالعيد… لا تناسق بين الأسعار والدخل … معظم الأرباح تذهب لتاجر المفرق.. وتوقعات بانخفاض ملحوظ بالأسعار لكن بعد العيد
| محمد راكان مصطفى - فادي بك الشريف
«بأي حال جئت يا عيد».. عبارة أصبح وقعها مألوفاً جداً عند العائلة السورية مع اقتراب كل عيد.. وسط غلاء فاحش واستغلال كبير من الباعة والمحال.. ليغدو وقع العيد وأي فعالية اعتيادياً عند المواطن ذوي الدخل (المهدود).. فلا نكهة سوى مرارة الأسعار.. ولا طعم سوى الصبر على واقع هذا الحال… ويبدو الأمر عند المعنيين (لا حياة لمن تنادي)؟!!
اقتراب العيد حتماً يدفعنا لتسليط الضوء على واقع أسعار الألبسة.. ولسان حال المواطن يقول: (حدث فلا حرج..)، بعد أن غدت العديد من المحال ملاذاً للفرجة.. للحسرة.. لا أكثر.. إلا شريحة من ميسوري الحال والمضطرين ممن يصوب العديد من المحال مغناطيس جذبهم لشراء الألبسة بأسعار مرتفعة جداً.
باختصار يدفعنا الأمر للقول: إن بورصة الألبسة خارج تداول (محدودي الدخل).. والأسعار «جنونية» وغير مسبوقة إن صح القول.
وفي جولة لـ«الوطن» في عدد من أسواق دمشق لوحظ الارتفاع الكبير للأسعار عن الأعياد الماضية ليشمل الأمر الألبسة على اختلافها رجالية ونسائية وولادية، ليتراوح سعر الطقم الرجالي بين 140 ألف ليرة و200 ألف ليرة في عدد من المحال وأكثر من ذلك بكثير في محال وأسواق أخرى.
كما تراوح سعر بنطال الجينز الرجالي بين ( 35 و70 ألف ليرة)، والجاكيت الرجالي وصل إلى 70 ألف ليرة، والكنزة الرجالية (تيشرت) تبين سعرها بين 20 و30 ألفاً، والقميص النسائي وصل لحدود 50 ألف ليرة، والجاكيت النسائي بين 70 و80 ألفاً، ناهيك عن ارتفاع أسعار الألبسة الرياضية.
وبالنسبة لأسعار ألبسة الأطفال وصل سعر البنطال الولادي بين 20 وحتى 40 ألفاً والتيشرت بين 15 و20 ألفاً، والفستان للصغيرات تجاوز الـ 50 ألفاً، التيشرت الولادي بين 20 و30 ألفاً.
وبالنسبة للأحذية تراوح سعر الحذاء الرجالي بين 35 إلى 70 ألفاً والنسائي بين 25 إلى 70 والحذاء الرياضي بين 30 إلى 60 ألفاً.
وفي أسواق أخرى وفي المولات سجلت الأسعار أرقاماً خيالية، وأقل من ذلك بكثير مما ذكرنا في أسواق البالة والبسطات التي تستقطب شريحة من المواطنين ممن تناسب دخلهم لكن على حساب الجودة والنوعية؟ علماً أن الأسعار تختلف بين سوق وآخر ومحال وآخر حسب العرض والطلب والنوعية وتموضع السوق وغيرها من العوامل التي تدخل في مسألة تحديد السعر.
سحب عينات
معاون وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك جمال شعيب بين أنه تم التأكيد من الوزير لمديريات التجارة الداخلية متابعة أسعار الألبسة في الأسواق، منوهاً بأن أسواق الألبسة تخضع لأحكام المرسوم 8 كباقي السلع.
وأشار شعيب في حديثه لـ«الوطن» إلى أن دوريات حماية المستهلك باشرت بسحب العينات للألبسة من الأسواق لفحصها، ليتم بعد ذلك دراستها من لجنة التسعير بمشاركة من غرفة الصناعة.
شعيب لفت إلى أن القرار 1201 الصادر بناء على أحكام المرسوم التشريعي رقم 8 لعام 2021 أوجب على صاحب الفعالية في حال كان المنتج مستورداً أو إنتاجاً محلياً إعداد جدول تكلفة من واقع تكاليفه الفعلية للمواد والأصناف التي تعامل بها تتضمن تكلفة المادة أو الصنف أو الموديل وسعر مبيع المنتج المستورد وسعر مبيع تاجر الجملة أو نصف الجملة وسعر المبيع للمستهلك، وذلك بعد إضافة هوامش الأرباح النافذة لكل حلقة من حلقات الوساطة التجارية ممهوراً بختم المنشأة ومدون عليها تاريخ الإعداد، على أن يحتفظ به لديه لحين الطلب بعد تصديقه من مديرية التجارة الداخلية وحماية المستهلك بالمحافظة التي يتبع لها نشاطه التجاري أو الصناعي.
وأشار إلى أن هذه الجداول تكون بمثابة صك سعري يجب أن تتطابق الأسعار التداولية الفعلية مع التكلفة المصدقة والمودعة لديه بعد إضافة هوامش الأرباح.
وبيّن أن القرار أوجب على منتجي ومستوردي الألبسة تداول الفواتير بين كل حلقات الوساطة التجارية حيث تكون الأسعار الواردة في الفواتير مطابقة للأسعار المودعة لديه أصولاً.
ولفت شعيب إلى أن القرار بين أنه في حال الشك أو الشكوى تشكل لجان لدراسة العينات السعرية المحسوبة في مديريات التجارة الداخلية وحماية المستهلك في المحافظات برئاسة معاون مدير التجارة الداخلية وحماية المستهلك وعضوية كل من رئيس دائرة الأسعار ورئيس دائرة الشؤون الفنية والجودة وممثل عن غرفة الصناعة وممثل عن غرفة التجارة وممثل عن اتحاد الجمعيات الحرفية وممثل عن جمعية حماية المستهلك في المحافظة في حال وجود فرع للجمعية، ورئيس شعبة بدائرة الأسعار.
وأوضح شعيب أن مهمة اللجنة دارسة العينات السعرية المسحوبة وفق بيان التكلفة النافذ بتاريخ سحب العينة والمحفوظ لدى المنتج أو المستورد والمصدق أصولاً من مديرية التجارة الداخلية وحماية المستهلك والتدقيق بالأسعار التداولية وفق الفواتير الأصولية بين حلقات الوساطة التجارية للتحقق من مدى مطابقة الأسعار التداولية لبيان التكلفة المحفوظ لدى المنتج أو المستورد مع سعر المبيع المعلن، مشيراً إلى أنه يتم طلب بيان التكلفة الأصولي المحفوظ لى المنتج أو المستورد خلال 48 ساعة عمل فعلية من تاريخ ورود العينة إلى ديوان المديرية المعنية.
وبيّن معاون الوزير أن اللجنة ترفع محضراً بنتائج عملها إلى مدير التجارة الداخلية وحماية المستهلك بالمحافظة المعنية لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بحق المخالفين في حال ثبوت المخالفة وفق التعليمات الناظمة لذلك وإعلام الوزارة بالإجراءات المتخذة (مديرية الأسعار- مديرية حماية المستهلك).
وشدد شعيب على ضرورة التزام باعة المفرق وكل من يتعامل البيع بالمفرق الإعلان عن الأسعار النهائية للمستهلك والمحددة من المنتج أو المستورد حصراً والمطابقة لبيان التكلفة النافذ، منوهاً بأنه يجوز لبائع المفرق أن يبيع بالحد الأقصى المحدد من المنتج أو المستورد فما دون ويتم الإعلان عن السعر وفق القرارات الناظمة لذلك.
ارتفاع تكاليف الإنتاج
عضو غرفة صناعة دمشق وريفها ورئيس لجنة الألبسة الولادية في الغرفة أكرم قنوت أكد أن ارتفاع أسعار الملابس في الأسواق يعود إلى ارتفاع أسعار المواد والأولية.
قنوت بين لـ«الوطن» أن تكاليف الإنتاج ارتفعت خلال الفترة الماضية بسبب ارتفاع سعر الصرف، من أجور عمال وخيوط ونقل… ضارباً مثلاً بأن أجور (الكحت والحرق) تماشياً مع الموديلات الحديثة للبنطلون الجنز الواحد يكلف بين 4 إلى 6 آلاف ليرة، كما ارتفع سعر كغ خيط القطن إلى 50 ألف ليرة بعد أن كان 12 ألف ليرة.
ولفت عضو الغرفة إلى أن المعامل تواجه مشكلة بالعجز عن تسديد المصاريف.
وبحسب قنوت توجد أسواق أسعارها معقولة، منوهاً بأن الغرفة توجهت إلى الصناعيين لتكون أسعارهم مقبولة، لافتاً إلى إقامة أسواق بأسعار مخفضة في شهر رمضان المبارك.
وقد توقع عضو الغرفة حدوث انخفاض بأسعار الألبسة خلال الفترة القادمة بالتوازي مع الانخفاض الواضح الذي طرأ على تحسن سعر الصرف.
وأوضح أن الغرفة وفي إطار ضمان التطبيق الصحيح للمرسوم التشريعي 8 لعام 2021 الخاص بقانون حماية المستهلك شكلت لجاناً لتحديد بيانات الكلف، منوهاً بأنه تم التشديد على الصناعيين بضرورة تداول الفاتورة بين جميع الحلقات، وضرورة وجود الرقم الضريبي على الفاتورة.
وختم قنوت حديثه بالقول: وفق المرسوم أصبحت الأمور أوضح وأصبح هناك طريقة لتحديد المسؤوليات.
ارتفاع جنوني
الخبير الاقتصادي الدكتور عمار يوسف انتقد الارتفاع الجنوني للأسعار في أسواق الألبسة بمختلف المحال والتي وصلت فيها التكاليف والأسعار إلى أرقام كبيرة جداً ليست بمقدور شريحة كبيرة من المواطنين على اختلاف الأعمار، الأمر الذي يتطلب تدخلاً سريعاً من الجهات المعنية وذلك للرقابة على الحلقة النهائية (تاجر المفرق) والمعمل.
وبين يوسف أن أسعار الألبسة ارتفعت خلال السنتين الماضيتين إلى حدود لا توصف لتصل نسبة الزيادة إلى 800 بالمئة، بمعدل 8 أضعاف، مقارنة عن الأسعار السابقة وسط حجج ومبررات ترتبط بسعر الصرف، علماً أنه عند انخفاضه لم يطرأ أي انخفاض على أسعار الألبسة، لا بل على العكس تماماً، يتزايد ارتفاع الأسعار تزامناً مع استغلال المناسبات والظروف.
واعتبر الخبير الاقتصادي أن المشكلة الأساسية في (الألبسة) هو بائع المفرق، مضيفاً: بالنسبة للمستورد فهو يشتري القماش، والمصنع يقوم بالتصنيع وفق معايير معينة، لكن الزيادات الكبيرة يحصل عليها تاجر المفرق (المورد الرئيسي للمستهلك) وهو الحلقة الأخيرة بالنسبة للسلع.
وأوضح يوسف أن نسبة أرباح محال الألبسة وتاجر المفرق تصل إلى 60 وحتى 70 بالمئة، ضمن معادلة يطلب فيها تاجر المفرق من المصنع زيادة السعر، وبالتالي يعتمد على الفاتورة الحاصل عليها من المصنع (بناء على طلبه)؟!.
مضيفاً: على سبيل المثال هناك نوع من القماش الخاص بالبيجامات يتم استيراده بالكيلو (10 دولار) بمعدل 30 ألف ليرة حالياً، وكل كيلو يساوي (2 بيجاما) للكبار و(3 للصغار)، لتباع البيجاما بين 70 لـ 80 ألف ليرة للكبار، ومن 40 لـ 50 ألف ليرة للصغار، معتبراً أن التكلفة الأساسية للبيجاما من المعمل تقدر بحدود 20 ألف ليرة، وتباع عند تاجر المفرق ومحل الألبسة بأكثر من 60 ألف ليرة؟!، بمرابح كبيرة جداً.
وقال: إن الأسعار غير طبيعية ولا تتناسب مع سعر الصرف ولا مع أجور اليد العاملة، ولا مع دخل المواطن.
معتبراً أن الطلب انخفض بشكل كبير نظراً لانخفاض القدرة الشرائية عند العديد من المواطنين وتوجه المدخرات وغيرها إلى الأكل والشرب، إضافة إلى التوجه لمحال الألبسة المستعملة التي تتوافر فيها بجودة أفضل وسعر أقل.
وأضاف: إن العديد من محال الألبسة تعتمد على الربح الفاحش وتستهدف شريحة محددة من المواطنين ( إما الميسورين أو المضطرين لشراء اللباس)، وهذا على حد قول يوسف: يكفي لتحقيق الربح بالنسبة للمحل بين 3 إلى 4 قطع في اليوم وسط التكلفة والأسعار المرتفعة.
وأشار يوسف إلى تفاوت الأسعار بين الأسواق والمناطق حسب القدرة الشرائية للسوق وطريقة العرض واكتفاء التاجر بأرباح معينة أو استغلاله للموضوع، وجميعها معايير مؤثرة.
كما ذكر يوسف أن العائلة المكونة من 5 أشخاص بحاجة إلى كسوة عيد تتجاوز الـ 500 ألف ليرة، وتصل إلى 700 ألف وأكثر بالنسبة لبعض الألبسة ونوعيتها من بعض المحال والأسواق، وذلك حسب اختلافها بين رجالي أو نسائي أو ولادي، حتى إن الألبسة التي يوجد عليها تخفيضات يكون مربحها أكثر من غيرها.
وأكد الخبير الاقتصادي أن الحلقة الأساسية المفترض ضبطها بشكل كبير هي تاجر المفرق (البائع) الذي يلزم العمل على منحه فواتير مرتفعة على عكس الغذاء والمواد الأخرى، وخاصة أن لدى المعامل تبريرات جاهزة لتقديم الفواتير والأسعار.
ولفت إلى أن الألبسة ليست على درجة من الأهمية كما الأكل والشرب، بحيث تشهد تذبذباً بالنوعية ومجالاً (للأخذ والرد)، بحيث يكون اللعب في الألبسة أكثر من غيره، ما يفرض وجود معالجة جذرية وضبط للأسعار سواء في المصنع والفواتير (الحلقة المفقودة) أم عند تاجر المفرق.