يبدو أن الذئب التركي بدأ بفقدان أنيابه؛ التي استخدمها طوال سنوات خلت، منذ بدء ما سمي بالربيع العربي، في شن اعتداءات، وتدخلات في شؤون دول المنطقة، من سورية وليبيا والعراق ومصر، أنياب تمثلت بجماعة الإخوان المسلمين، والتنظيمات الإرهابية، واللعب على تناقض مصالح القوى الكبرى في المنطقة، إضافة إلى حماية ودعم الولايات المتحدة الأميركية له كحليف في «الناتو» ورأس حربة في مواجهة روسيا.
تتسارع الأحداث والمتغيرات في المنطقة، بما لا يشتهي النظام التركي، وبطريقة تسلبه جميع أوراق القوة التي كان يستثمرها للتدخل في شؤون دول المنطقة، فسعيه للتقرب من مصر دفعه إلى تقديم ورقة الإخوان المسلمين عربون صداقة إلى القاهرة، ودفع به إلى تقديم «الجماعة» على مذبح المصالح الخاصة به، وتحويلها إلى كبش فداء في طريق العودة إلى العاصمة المصرية، قبيل وصول الوفد التركي منذ يومين برئاسة نائب وزير الخارجية التركي، سدات أونال إلى القاهرة، لتسقط بذلك جميع طلبات مصر الأساسية، في ظل تنفيذ تركيا معظم مطالبها، وسط تفاهمات حول وضع المرتزقة في ليبيا، وبقاء عدد من أعضاء جماعة «الإخوان المسلمين» المطلوبين أمنيا في مصر بأحكام قضائية نهائية، على الأراضي التركية.
القرار التركي بحرق ورقة «الإخوان المسلمين» التي يمتلكها لإنارة دروب الصداقة مع مصر، تلقته العديد من قيادات «الجماعة» بكثير من السخط، وجعلتها تفتح نار حقدها باتجاه النظام التركي، وتحويل بندقيتها الإرهابية من كتف إلى آخر، فكان اجتماع «الجماعة» مع حزب السعادة التركي ورئيسه كرم اللـه أوغلو الذي يعتبر أحد الأحزاب المعارضة الرئيسة للعدالة والتنمية، أولى الخطوات على طريق التمرد على «الأردوغانية الجديدة».
كذلك خسر النظام التركي أحد أنيابه والمتمثل بسياسة اللعب واستغلال متناقضات مصالح الدول المتصارعة في المنطقة وعليها، وذلك مع بدء الحديث عن ملامح انفراجة ما في العلاقات السورية الخليجية عموماً، ومن قبلها الإعلان عن لقاء سعودي إيراني في بغداد قبل أسابيع، مع تغيّر في لهجة خطاب ولي العهد السعودي محمد بن سلمان تجاه طهران حينما أكد في تصريح تلفزيوني أن المملكة تطمح لأن تقيم علاقات مميزة مع إيران، قائلا: «إيران دولة جارة وكل ما نطمح أن يكون لدينا علاقة طيبة ومميزة مع إيران»، إضافة إلى التقارب الإيراني الأميركي في مسألة الملف النووي الإيراني، فإن حظوظ أردوغان بالاستمرار بالتدخل في شؤون سورية والعراق وحتى ليبيا باتت في حدودها الدنيا، وبات موضوع سياسة اللعب على المتناقضات في خبر كان.
ومع استمرار الحظ العاثر بالانتشار على مجمل ملفات النظام التركي، فإن آمال بناء علاقة قوية مع إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، بحيث يتكئ عليها ويضرب بسيفها في غزواته العدوانية على دول الجوار، قد ذهبت أدراج الرياح، مع تجاهل بايدن إعطاء رئيس النظام التركي رجب اردوغان، ميزة خاصة، واعترافه مؤخراً بجريمة ارتكاب السلطنة العثمانية مجزرة إبادة بحق الأرمن، الأمر الذي شكل ضربة موجعة لأردوغان، ولم ينته الأمر عند هذا الحد بل تم استكماله بمشروع قانون تقدم به نواب عن الحزب الديمقراطي إلى مجلس الشيوخ يطلب من السلطات التنفيذية الأميركية معاقبة المسؤولين والجهات الحكومية التركية في حال إثبات مسؤوليتها عن قضايا تفصيلية تتعلق بالاحتجاز بسبب الرأي والسجن لدواع سياسية واعتقال الصحفيين وتقييد حرية التعبير على وسائل التواصل الاجتماعي، وكل ما تعتبره المؤسسات الدولية مساً بحقوق الإنسان.
قصارى القول، ذهبت جميع أوراق الضغط التي كان يستخدمها النظام التركي، بين ليلة وضحاها أدراج الرياح، وبات ذاك الثعلب التركي الذي غرز أنيابه في جسد الدول المجاورة جميعها، بلا أنياب، وبات ذاك السمسار الذي تاجر بالإرهاب، وآلام اللاجئين، بلا «رأسمال» يمكنه من دخول «السوق السياسية العالمية»، حتى إن مرتزقته انقلبوا عليه وتمردوا على قراراته بسبب تأخره بصرف رواتبهم.