«باربي» أكثر واقعيةً وقرباً من الفتيات … الدُمى هي الخطوة الأولى لتطوير مهارات الطفل وإطلاق خياله
| سوسن صيداوي
الإلهاء، إطلاق الخيال، توسيع المدارك، أمور -يضاف إليها المزيد- تقدمها الدمى للطفل أثناء نموّه، ولربما لم يكن الإنسان الأول يدرك تماماً مدى أهميتها، حيث صنعها بداية للتذكار من العظام والأحجار، ولكن مع تطور الحضارة البشرية بدأت الدمى تتنوع وتختلف بأشكالها ما بين البشرية والأشكال الأخرى، وتتبلور لتأخذ مكانها الوظيفي في تربية الطفل وتقويم سلوكه، فأصبح هناك الدمى الخشبية والمصنوعة من القماش، الخزف، الفخار، البورسلان، البلاستيك، المطاط. وبحسب البلد الذي يصنّعها، وتعتبر اليابان من أكثر دول العالم تنوعاً باهتمامها بالدمى، هذا وعن أشهر الدمى في العالم وأهميتها بالنسبة للطفل نتوقف عند بعض النقاط.
الأكثر تداولاً
يرتبط نوع الدمية أو اللعبة بالطفل نفسه سواء أكان ذكراً أم أنثى، فالطبيعة المختلفة وعمر الطفل، يجعلان من الطلب متنوعاً، وبالعموم الفتيات يرغبن بالعرائس، على حين الصبية يطلبون نوعية يتمكنون خلالها من التركيب والفك أو الركض…. إلخ. ولكن في موضوعنا هنا نذكر الدمية «باربي» الأخيرة، ومن فترة قامت شركة «ماتيل» المنتجة لها، بتكريم ست نساء يعملن في مجال الصحة وعلى الخطوط الأمامية أثناء وباء كورونا، وذلك بإطلاق سلسلة ألعاب «باربي» تشبههن، هذا وأعمارهنّ مختلفة، وجنسيّاتهنّ متعددة، وأعراقهنّ متنوّعة، ولن تبقى قصصهنّ منشورة فقط على مواقع الأخبار ومعروفة ضمن مدنهن وبلادهن، بل أصبحن اليوم دمى صغيرة مجسّمة، يمكن للأطفال شراؤها وإطلاق العنان لخيالهم أثناء اللعب.
هذه الحركة التي قامت بها الشركة المنتجة ذكية جداً، أولاً لأنها طورت من منتجها وجعلته أكثر واقعية وقرباً من الناس في أنحاء المعمورة قاطبة، كما زادت من هامش الربح، لأن الأهالي لكل الفتيات يسعون دائماً لشراء العرائس وعلى الخصوص الـ«باربي». وعن بداية العلاقة بين الطفل ودميته أخبرتنا إيمان عمر المخرجة المسرحية والممثلة في مسرح العرائس في حديث خاص بـ«الوطـن» قالت: «من الطبيعي أن يقوم الأهل بشراء الدمى للطفل، بغض النظر عن شكلها سواء أكانت بشرية أم لمجسمات حيوانية، والتي يختلف شكلها بحسب عمره، كما تعتبر الألعاب من أولويات ممتلكات الطفل الذي من خلالها يتمتع بالسلطة عليها، ويملك ساحة من الحرية باللعب بها مع من يريد من الأهل أو أخوته وأقاربه، حتى لا يوجه له الأهل أي لوم أو تنبيه أثناء وقت اللعب، بمعنى أن لعبته تمنحه مساحة من الحرية والاستقلالية، ومع نشاطاته برفقتها وبالحديث معها وقضاء أوقاته وهي بقربه وحتى في أثناء نومه، هنا ينمو لديه شعور الاطمئنان والراحة بالوقت الذي تكون فيه أمه مشغولة عنه».
وفي ضرورتها
إنتاج الدمية له أهميته، فالغاية ليست فقط ربحية، بل هي أيضاً لها تأثيرها البالغ على المجتمع عموماً وعلى الطفل خصوصاً، فهناك أهداف من إنتاجها وبأشكالها المتعددة والمتنوعة، وعندما تمّ إنتاج الدمية «باربي» ومنذ السنوات الأولى لظهورها في ساحة لُعَب الأطفال، اهتمت الشركة بأن يكون لها العديد من المهن وهي أكثر من مئتي مهنة على مدار الستين عاماً من بداية إنتاجها، فهي: أميرة، ممرضة، طبيبة، معمارية، سيدة أعمال، عالمة، رائدة فضاء، وصولاً إلى ترشحها لرئاسة الولايات المتحدة. إذاً هذه الشخصيات للدمية لكي تكون قدوة للطفلات اللواتي يطلبن من الأهل شراءها لهن، يجب أن يكون تأثيرها فاعلاً في بناء شخصية الطفلة ودفعها دائماً نحو مستقبل جيد لكونها القدوة الأولى لها وتمضي أوقات اللعب معها، وهذا ما أكدت عليه إيمان عمر متابعة حديثها «للدمية دور كبير بالتأثير على سلوك الطفل وتوجيهه، وخصوصاً إن كان طبعه عنيداً ولا يصغي لأوامر الأهل وتوجيهاتهم، فوجود الدمية وإقحامها بالسلوك اليومي من تناول الطعام والاستحمام وغيره الكثير، ومعاملتها من الأهل على أنها تعيش معهم حقاً وكفرد من العائلة في كلّ النشاطات، يجعل الطفل يقتدي بها حكماً لأنها وبالدرجة الأولى صديقته المقربة».
وعن أهمية عروض مسرح العرائس وتأثيرها بتحقيق الترفيه وتقديم الأفكار والمعلومات الجديدة، مع توجيه السلوك ختمت إيمان عمر «لا يمكننا أن نتحدث عن الدمى والعرائس ولا نتطرق للحديث حول أهمية مسرحها الخاص، الذي أصبح اليوم له دور فاعل بتوجيه سلوك كلّ الأطفال إضافة إلى ذوي الهمم ومنهم أطفال التوحد، فالدمية من أهم وسائل التواصل لكونها جسر الاتصال معهم، ومن خلالها نقدم المعلومات لهم، وهم يقومون بتقليدها بكل ما نريد منهم أن يفعلوا، وهنا أختم بالإشارة إلى أن الدمى والعرائس في المنزل لها ضرورتها الكبيرة، لكونها تصرف الطفل عن الاهتمام بالتكنولوجيا والسوشال ميديا واليوتيوب، كما أنها أصبحت اليوم عقبة صعبة يواجهها الأهل مع الأطفال. إذاً للدمى ساحة كبيرة بكل العالم وليس فقط بمكان واحد».
تبقى «باربي»
تحدثنا عن التأثير الإيجابي لدمية «باربي» الأخيرة التي طالها الكثير من الاتهامات، ونذكر منها في ختام مقالنا، تكوين وشكل جسد هذه الدمية غير منطقي، فلو كانت امرأة حقيقية من لحم ودم لما استطاعت المشي أو حتى حمل رأسها على كتفيها، ولكنها رغم ذلك تدفع الكثير من الفتيات للقيام بعمليات التجميل للحصول على جسد مثالي، هذا من جهة ومن جهة أخرى رغم محاولات الشركة المنتجة الجادة بالخروج عن نمطية فكرة الفتاة الشقراء الجاذبة التي لا تهتم سوى بالثراء وبالأزياء، وبأن تكون «باربي» رائدة في الكثير من المجالات، ما زال جارياً ليومنا هذا وصم المجتمع للفتيات والنساء بكونهن «باربي»، والذي بظاهره يبدو مديحاً، إلا أنه في باطنه تشكيك بمستوى ذكائهن وكيفية تفكيرهن.