قد يجبنُ الشجاع إن واجهَ بِلا سلاح، و قد يَشجعُ الجبَان إن واجهَ بسلاح.
هذه العبارة تعودُ إلى الذاكرةِ كلما شاهدتُ أسلحة متراكمة ألقاها من حملَها ليصبحَ شجاعاً على أهلهِ، حارتهِ، قريته، أو كلما كيلت اتَّهامَات الجبن لمن يقدِّم خيار العقلِ على الحرب، وكأنَّ البعض لم يملَّ هذه الحرب اللعينة لدرجةٍ تشعر فيها وبصراحةٍ مطلقة بأن رافضي أي تسوية في أي اتجاهٍ كانوا هم المستفيدون من استمرارها وإطالة عمرها.
تتوالى الصور الجميلة من درعا الشهامة و الرجولة، درعا التي لا يختصرها إرهابي ولا أحمق إلا إن كان البعض بسذاجتهِ يريدنا أن نمسح من ذاكرتنا كل درعاويٍّ ودرعاوية طبعوا في حياتنا ذكريات جميلة لاتنسى. عادَ الجامع العمري «عُمَريّاً» على نهج الدينِ السمحِ مهما حاولَ شُذاذُ الآفاق تحويله لجامعٍ على نهجِ شيوخ الفتن، ستعود مآذنهُ لتصدحَ بالابتهال لكي يكون الوطن، كل الوطن بحمى من لاتغفل عينه ولا تنام، ولعلها بداية العد التنازلي لتعودَ درعا للتوصيفِ الأدق الذي لايساويهِ توصيف، كيف لا وقائلهُ هو الأدرى بحقائقَ نجهلها جميعاً، «درعا هي دِرع الوطن».
في المنطق الإنساني ليسَ هناكَ أجمل من تعليقِ البندقية على أفنانِ الوطن عندما يعود من قرر العودة إلى رشده، لكن وبالوقت ذاته ليسَ هناكَ أسوأ من الذي يرفُض الوطن حتى لو كان الثمن تهجيراً و لجوءاً عند رعاة الإرهاب، أعتذر، فلن تهزني صورةَ طفلة ارهابي تركها وفضّلَ الابتعاد عنها، في الوقت الذي فتح لهُ الوطن ذراعه!
لكن في المقابل ومع توارد مثل تلك الصور هناك من يعود لنفسِ التساؤلات: هل يحتاج هؤلاء للمصالحة؟! يطرحون هذا التساؤل مع «كمشةِ» متاجرة بدماءِ الشهداء. يتجاهل هؤلاء بأن الهدف من المسامحة أبعدَ من مجردِ مسلح أو إرهابي، ولأن قضية الشهداء دائماً هي مادة للاستثمار في غير مكانها سأجيب مطلقي هذه الدعوات كشقيقٍ لشهيد من شهداء هذا الوطن:
حتى لو عادَ «قاتل شقيقي» سأسامحهُ وأترك حسابهُ عندَ عزيزٍ مقتدر، إذا كان الثمن أن تستعيد سورية عافيتها.
التسامح والعفو عندما يكون الهدف أبعدَ من حدودِ الوطن و أحلام أعدائه، لا يبدو كضرورةٍ فحسب لكنه ينتقل من مجرد فنٍّ عليكَ رسم تفاصيلهِ بعناية، إلى سلاحٍ تستطيع من خلاله أن تدعمَ ترسانةَ السلاح لديك، هذا دون أن ننسى النقطة الأهم بأنَّ درعا هي المحافظة المقابلة لجبهتنها الأساسية، مايحتم علينا العمل بكل مايمكن لطي هذا الملف بالسرعةِ القصوى بعيداً عن التنظير والشعارات التي لا تُسمن ولا تغني من جوع، ليبقى السؤال:
ماذا عن رافضي التسوية؟
ببساطة معظم من رفضَ التسوية يطمح على الطريقةِ الأفغانية للحصول على لجوءٍ ما، هؤلاء هم الجبناء الذين استقووا بالسلاح ويحاولون حتى اللحظة الأخيرة الاستثمار بعذابات من احتجزوهم و أخذوهم دروعاً بشرية لعقدٍ من الزمن، ليحققوا طموحاتهم الشخصية بلجوءٍ ما بعدَ ماجنوه من أموال، هؤلاء جبناء لا وصفَ يليقَ بهم أجملَ من تعبير بأن من خُلق ليزحف فلن يطير..مبارك لأهلنا في درعا.