سيناريوهات متنوعة وواشنطن وحلفاؤها هم الخاسرون
تحسين الحلبي :
تثبت التطورات التي وقعت في كل أرجاء منطقة الشرق الأوسط في السنوات الأربع الماضية أن انتشار مجموعات داعش وانصهارها لم يحدث إلا بدعم أميركي اتخذ أشكالاً ومظاهر كثيرة وأن بقاء هذه المجموعات وبغض النظر عن حجمها ما زال يشكل مصلحة أميركية- إسرائيلية. ولهذه الأسباب كان المسؤولون العسكريون والسياسيون في الإدارة الأميركية يعلنون أن «التخلص من داعش سيتطلب (30) عاماً» وفي الرد الصريح على هذه الاستراتيجية الأميركية سارعت موسكو وحلفاؤها إلى المشاركة الفعالة مع سورية وكل من يرغب لإحباط هذه الاستراتيجية الأميركية وتمكنت دمشق وموسكو والمقاومة وطهران من تشكيل خط جبهة عسكرية وسياسية مشتركة لتحقيق هذه الغاية.
وأصبح من الواضح أن التراجع الأميركي في القدرة على تنفيذ المخطط الأميركي بدأ يولد تأثيرات سلبية على أصحاب القرار الأميركي فاتجهوا نحو الإعلان عن إرسال مجموعات من العسكريين الأميركيين لتدريب ما يسمى مجموعات (المعارضة المعتدلة) فوق الأراضي السورية وهي خطوة يرى عدد من المحللين الأميركيين فيها محاولة لخلق منطقة محدودة تفرض فيها واشنطن (حظراً جوياً) بهدف توسيعها وتحقيق غايات أكثر حجماً من (الخطر الجوي فيها).
واختارت واشنطن إرسال هذه المجموعات من (الخبراء العسكريين) إلى شمال سورية قرب الحدود مع تركيا لفرض أهداف أبعد مدى من محاربة داعش أو من دعم معارضة معتدلة ليست موجودة على الأرض السورية وخصوصاً في الشمال.
ومن المؤكد أن دمشق وموسكو تدركان تماماً هذه الأهداف وأبعادها الواسعة كما أنه من المؤكد أنهما قادرتان على منع وجود أي منطقة من هذا القبيل وخصوصاً في الشمال المتاخم لحدود تركيا.
ويبدو أن عدداً من المسؤولين الأميركيين قد لاحظوا خطورة ومضاعفات مثل هذا المخطط الأميركي على السياسة الخارجية الأميركية واحتمالات تطوره إلى حافة مجابهة عسكرية مباشرة مع القوة الجوية الروسية… فقد تحدث (جوستين ريموندو) رئيس تحرير المجلة الإلكترونية واسعة الانتشار (انتي وور) عن سيناريوهات بدأ مسؤولون أميركيون بدراستها والنظر في حساباتها يقول ريموندو ضمن افتراض أن تقترب المواجهة بين موسكو وواشنطن بعد سنتين إلى حد يدفع روسيا إلى الاصطدام العسكري المباشر مع الولايات المتحدة فوق سماء شمال سورية ويفترض أن تقوم واشنطن بتصعيد ضد سلاح الجو الروسي فما الذي سيحدث في كل أرجاء العالم حينئذ… ويستنتج ريموندو أن واشنطن بدأت تضع موسكو وبكين على جدول عملها في كل من آسيا والشرق الأوسط من دون أن تحسب حساباً دقيقاً لما يمكن أن تقوم به القوتان العظميان الصاعدتان حتى لو كان مسرح أي مجابهة بين واشنطن وهذين العملاقين في آسيا بعيداً عن أوروبا التي لن تفضل استفزاز موسكو وبكين لكي تمنع انتشار أي حرب تدميرية ثالثة على دول أوروبا.
ويعرض محللون عسكريون في أوروبا وأميركا مؤشرات على محاولة واشنطن تحقيق أهدافها الموجهة ضد الصين عن طريق الضغوط العسكرية واستخدام الحلفاء مثل الفلبين واليابان وكوريا الجنوبية لكن هذه الضغوط لم تثن الصين عن الاستمرار في حشد المزيد من الحلفاء حتى في منطقة أميركا اللاتينية وليس في الشرق الأوسط ودول البريكس وحدها.
ويحذّر عجوز السياسة الأميركية (هنري كيسينجر) من الخطأ الذي ترتكبه واشنطن إذا ما نشرت قوات برية ومهما كان حجمها في منطقة الشرق الأوسط وخصوصاً في سورية لأن إجراء كهذا سيورط أميركا بحرب استنزاف طويلة الأمد على حين إن الحروب الحديثة في هذه الأوقات يجب ألا تكون طويلة الأمد حتى لو اكتفت واشنطن بشن أي حرب لها من السماء فقط.. ويستشهد بالحرب على يوغوسلافيا في التسعينيات وتجزئتها وتقسيمها بالاعتماد على الغارات الجوية… كما يحذّر كيسينجر من الاستهانة بالقدرات الصينية والروسية ويفضل أن تتجنب واشنطن حرباً على هاتين القوتين معاً وفي لحظة واحدة وأن تدرك واشنطن أن أوروبا ليست نفس أوروبا التي كانت في الحرب الباردة.
ومع حملة الانتخابات الأميركية للرئاسة بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري بدأت تظهر خطابات سياسية لدى بعض المرشحين تدعو إلى إجراء تغيير حقيقي في السياسة الخارجية الأميركية بعد أن عجزت واشنطن عن حل معضلتها في أفغانستان وفي العراق منذ عام (2001)؟!