العالم يتغير ويبدو مشهده اليوم مختلفا، وكأن الأزمات والتحديات تعيد تشكيله سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وتكنولوجياً وفي ضوء هذه التحديات، ورغم نظرتنا التفاؤلية عادة، يمكننا أن نتوقع أحداثاً قاسية، نأمل ألا تكون باتجاه الأسوأ خلال هذا العقد سياسياً؛ في ظل الهيمنة والغطرسة الأميركية والإسرائيلية واحتلال أراضي الغير بالقوة كما في فلسطين وسورية، ونهب ثروات الشعوب وفرض العقوبات الظالمة على الدول والشعوب والإرهاب.
يلاحظ اشتداد المنافسة السياسية والاقتصادية والتكنولوجية بين القوى العظمى، وكثيرون في الغرب لا يوافقون على هيكل الحكم الصيني ذي الحزب الواحد، بدورها تنتقد القيادة الصينية الديمقراطية الليبرالية الغربية، وترى بأنها في مرحلة الزوال، والخطر الحقيقي يكمن في كون المسؤولين من كلا الجانبين يعتمدون على ما يبدو إطار عمل محصلته صفر ويحاول كلا الجانبين، سحق المنافسة.
الصين والغرب بحاجة ماسة إلى إطار عمل جديد، ويجب أن يعترف هذا الإطار، أولا، بأن المنافسة الاقتصادية المنظمة بصورة صحيحة ليست لعبة محصلتها صفر، المنافسة الاقتصادية والتكنولوجية والعسكرية شر لا بد منه.
والسؤال هل يمكن أن تكون بناءه في ظل الوضع الراهن؟ والتراجع عن العولمة وزيادة الحماية، وهناك الحرب الباردة الصينية – الأميركية، تهدد بتفتيت الاقتصاد العالمي.
تُخَيم على عالم اليوم غيوم عدم اليقين والإحباط واليأس، فقد أزهق الفيروس ملايين الأرواح، وتبدلت حياة مئات الملايين الآخرين بسبب زيادة الفقر وفقدان الوظائف وتعطل أنشطة التعليم.
ويواجه العالم خطر ظهور جيل ضائع، خاصة في الدول النامية، من جانب آخر ينتشر متحور دلتا بسرعة، وإن أجزاء العالم غير المحنة، معظمها من الدول ذات الدخل المتوسط والدول المنخفضة الدخل، أصبحت الآن أكثر عرضة للخطر والسبب أن الدول المتقدمة لديها عقود شراء أكثر مما تحتاج إليه من جرعات اللقاح.
ويؤدي هذا إلى إطالة قائمة انتظار اللقاحات، وبالتالي تأخير وصولها إلى كثير من الدول النامية.
وأصبحت تداعيات الوباء على الاقتصاد أقوى من تداعيات الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، بالمقابل شهد العالم مؤخراً زيادة هائلة في تقلبات الطقس: العواصف والجفاف وموجات الحر وارتفاع متوسط درجات الحرارة والحرائق والفيضانات.
الهيئة الحكومية الدولية قدمت تقريراً، وصف الواقع بصراحة بأنه يعلن «الرمز الأحمر للبشرية»، ويشير إلى التجربة القاسية التي مرت بها البشرية هذا العام، فالرياح الاقتصادية المعاكسة التي تواجه العالم، ستهب على مدى أفق زمني أطول، ما يهدد النمو.
في الماضي، كانت الظواهر الجوية نادرة الحدوث ومحلية وتأثيرها محدود على الاقتصاد الكلي العالمي، لكن النمط الجديد أحدث تغيرات مؤثرة في الاقتصاد الكلي.
تواجه الدول النامية المنخفضة الدخل تحديات كبيرة عندما يتعلق الأمر بالاتجاهات الديموغرافية، ونماذج النمو مع العصر الرقمي، ومشكلات الحوكمة المحلية، إضافة لازمة كورونا، وهذه تحديات مستمرة في المستقبل القريب.
علاوة على ذلك، ستؤدي الأوبئة العالمية العنيدة إلى مزيد من الاعتماد على الذات على المستوى الوطني وفرض الضوابط على تصدير السلع والمواد الخام الأساسية.
وتعمل الحرب السيبرانية الإلكترونية على نحو متزايد على تعطيل الإنتاج، وتسببت الأزمة في تعطيل المسار التعليمي لأكثر من مليار طالب، ما يؤثر بمستوياتهم المعيشية.
ولمساعدة الشباب يجب تيسير بدء مشاريع الأعمال وتخفيض تكلفتها، والبرامج التي تتيح التدريب على الوظائف والبحث عن عمل، وزيادة فرص الحصول على خدمات الإنترنت ووجود البنية التحتية للإنترنت، وزيادة الإنفاق الاجتماعي، وتعبئة الإيرادات المحلية، وإيجاد نظم ضريبية أكثر كفاءة وتصاعدية.
كيف يمكن تجاوز بعض مشاكل الاقتصاد؟ مثل بطء النمو وانخفاض الإنتاجية وارتفاع عدم المساواة وتفاقم الأزمة المناخية، حيث نتطلع إلى مستقبل ننتهج فيه أسلوب محاربة أسوأ أزمة اقتصادية منذ حقبة الكساد الكبير، والعمل لبناء عالم أكثر خضرة وشمولا وأكثر عدالة والاقتصاد الأفضل للجميع.
الأولويات الأساسية لذلك: الاستثمار في الشباب وتعزيز الإنتاجية، واقعياً؛ جميع نماذج السياسات العالمية، سواء أكانت تجارية أم ليبرالية كلاسيكية أو كينزية أو اشتراكية ديمقراطية أو ليبرالية اجتماعية أو ليبرالية جديدة، تضمنت نقاطا مظلمة كونها مصممة كبرامج عالمية لتطبيقها في كل الأمكنة والأوقات.
وطغت النقاط المظلمة على الابتكارات التي جلبتها الحوكمة الاقتصادية، وكانت النتيجة مبالغة في التأرجح بين التفاؤل المفرط والتشاؤم، أما بشأن دور الحكومة في الاقتصاد فقد بات من الضروري توثيق التعاون الدولي لمحاربة الفقر والإرهاب واحتلال أراضي الغير وإنهاء العقوبات الظالمة، ومواجهة تغير المناخ والأزمات بما في ذلك تسريع وتيرة التطعيم الشامل من أجل وقف انتشار الجائحة وتحقيق الأهداف العالمية بتطعيم 40 في المئة على الأقل من السكان في الدول كافة مع نهاية عام 2021، و70 في المئة بحلول منتصف عام 2022 وإعطاء أولوية لحماية الفئات الأكثر ضعفا، والاستثمار في سياسات من أجل البشر ليكون بمنزلة حقنة لقاح في ذراع الاقتصاد العالمي يساعد على تشكيل اقتصاد عالمي أفضل لتحقيق النمو في عالم نأمل أن يكون أكثر عدالة.