شكل مشهد دخول وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد إلى القصر الرئاسي في دمشق، الحدث الذي استحوذ على اهتمام مجمل الأوساط السياسية والإعلامية، وخصوصاً بعد العناق الذي جرى بين سيد القصر الرئيس الأسد والوزير الإماراتي.
حميمية المشهد بحد ذاتها فُهِم منها أن الاتصالات الخاصة لم تنقطع بين البلدين، وبقيت بعيدة عن أعين ومسامع المراقبين، وربما عن المقربين من كِلا الطرفين، حيث أدرك الجميع، أن ليس كل ما يعلن من مواقف سلبية، يعبر عن حقيقة ما يجري عبر القنوات الخلفية.
من تسنى له سماع تصاريح الوزير الإماراتي قبل شهر واحد من زيارته إلى دمشق، والتي حفلت بسيل من الاتهامات الموجهة ضد القيادة السورية والدعوة إلى تغيير النظام، لا شك أنه أصيب بالدهشة، وأدرك أن تبدلاً مهماً في الموقف الإماراتي من سورية قد حصل.
ازدحمت شاشات التلفزة بالمحللين والمفكرين، لتحليل هذا التبدل الذي حصل، كما سال حبر الأقلام والمقالات العربية والغربية، لتفسير خطوة الإمارات تجاه سورية.
البعض عبر عن امتعاضه من الزيارة الإماراتية، معرباً عن الألم والغضب، من دور الإمارات السلبي جراء مشاركتها بالمؤامرة الكونية على سورية منذ العام 2011، وما سببته الإمارات للشعب السوري من خراب وقتل وتهجير قسري للسوريين، مذكراً بموقف مندوب الإمارات المؤيد لقرار تجميد عضوية سورية في الجامعة العربية.
البعض الآخر وضع زيارة الوزير الإماراتي إلى دمشق بخانة الإيجابية لناحية عودة العرب إلى دمشق، وكان لافتاً ما اعتبرته إحدى الصحف السورية في عددها الصادر بتاريخ 10 تشرين الثاني الجاري أن زيارة ابن زايد خطوة عروبية أصيلة وواعدة.
نقول أيها السادة احترموا عقولنا، صحيح أننا لا نريد البقاء أسرى للماضي، ويجب علينا التطلع نحو المستقبل لبناء علاقات عربية عربية واعدة، وأن زيارة الوزير الإماراتي وأي مسؤول عربي لدمشق ستلقى من القيادة السورية كل الترحيب انطلاقاً من تربية الرئيس الراحل حافظ الأسد وتمسكاً بمبادئ سورية العروبة بقيادة الرئيس بشار الأسد، لكننا نسأل كيف لهذه الصحيفة وصف الزيارة الإماراتية بـ«العروبية الأصيلة الواعدة»؟ في وقت تشهد فيه الإمارات حفلة تطبيع مذلة مع العدو الصهيوني المحتل لفلسطين، الأمر الذي يعتبر تنكراً للعروبة وللقضية الفلسطينية، وخروجاً فاضحاً عن الأصالة العربية.
أما البعض من الكتاب والمحللين فقد سارع إلى ربط زيارة الوزير الإماراتي لدمشق بحدوث متغيرات قادمة إلى المنطقة، وأن سورية ستكون جزءاً من هذا التغيير، وخصوصاً مع تسارع وتيرة التطبيع العربي مع العدو الإسرائيلي، ويضيف هذا البعض، بأن الوزير الإماراتي حمل معه إلى دمشق مطلباً عربياً أميركياً بضرورة تغيير سلوك سورية وبإخراج الإيرانيين وحزب اللـه منها مقابل حوافز مالية واقتصادية لسورية.
تعزز ذاك الاعتقاد بالاستناد إلى ما عنونته جريدة «الشرق الأوسط» السعودية، بعددها الصادر يوم الجمعة الفائت بتاريخ 12 تشرين الثاني الجاري، تحت عنوان «ملحق سري لـ«وثيقة التطبيع العربي» مع سورية يتضمن خروج القوات الأجنبية منها».
وحسب «الشرق الأوسط» فإن ما تضمنته الوثيقة الأردنية وملحقها السري هو التالي:
إن الهدف النهائي من الخطوات العربية للتطبيع مع دمشق، هو «خروج جميع القوات الأجنبية من سورية بعد 2011»، بما في ذلك «انسحاب القوات الأميركية والتحالف من شمال شرقي سورية، إضافة إلى تفكيك قاعدة التنف الأميركية» قرب حدود الأردن والعراق، وذلك بعد سلسلة خطوات على قاعدة «خطوة مقابل خطوة»، تشمل بداية «الحد من النفوذ الإيراني في سورية»، مع الاعتراف بـ«المصالح الشرعية لروسيا».
تضيف «الشرق الأوسط» إن الجانب الأردني أعد هذه الخطة قبل أشهر، مدعية بأن العاهل الأردني الملك عبد اللـه الثاني ناقش الوثيقة المزعومة مع الرئيسين الأميركي جو بايدن في واشنطن، ومع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ومع قادة عرب وأجانب، وإن الوثيقة تضمنت مراجعة للسنوات العشر الماضية ولسياسة «تغيير النظام» السوري، قبل أن تقترح الوثيقة عينها «تغييرا متدرجاً لسلوك النظام» السوري وذلك بعد «الفشل» في «تغيير النظام».
لهؤلاء نقول: تمهلوا فأنتم تتكلمون عن وثيقة سرية وكأنها باتت أمراً واقعاً، والمطلوب من سورية مجرد تنفيذها.
أيها السادة قليل من الواقعية، إنها الجمهورية العربية السورية، إنها سورية العروبة الأصيلة، سورية المتمسكة بالقضية الفلسطينية وبحق الشعب الفلسطيني، سورية التي دفعت الغالي والنفيس في سبيل الحفاظ على هويتها العربية وحضارتها وثقافاتها المتعددة، سورية التي رفضت التنازل عن سنتمترات من تراب بحيرة طبريا لقاء سلام زائف مع العدو الصهيوني، سورية التي رفضت كل المليارات والإغراءات والحوافز المالية لقاء فك تحالفها الإستراتيجي مع إيران وحزب الله، سورية التي واجهت شتى أنواع الفيروسات العربية والصهيونية والأميركية، سورية التي لم تبدل تبديلاً، سورية التي صمدت صموداً أسطورياً أعاد صياغة التاريخ بصفحات مجيدة، سورية التي روت دماء الآلاف من شهداء الجيش العربي السوري البطل أرضها، سورية التي أطاحت بكل شياطين الإخوان وبثعابين الإرهاب، سورية التي صانت بالدماء الزكية مبادئها العروبية.
ولأنها سورية قلب العروبة النابض نقول: إن زيارة الوزير الإماراتي إلى دمشق ما هي إلا تأكيد على انتصار سورية ودليل واضح على انهزام المشروع العربي الأميركي الصهيوني التدميري في سورية.
إن كل ما سرّب وكتب عن وجود ملحق أردني سري هو مجرد تزوير لحقيقة الانتصار السوري ودسيسة تشبه إلى حد بعيد كذبة إخوة يوسف حين رموه في البئر وجاؤوا بقميصه ملطخاً بدماء مزورة لأبيهم يعقوب، بغرض الإفلات من فعلتهم الشنيعة.
إن سورية لم تتعود يوماً اتباع سياسة الملاحق السرية، لأنها تحترم شعبها، وهي الضامن لحلفائها، ولأن سورية واضحة في مواقفها العلنية والمشرّفة، لذلك فإن الشعب السوري يولي قيادته الثقة المطلقة.
فلا تتوهموا، ومع الرئيس بشار الأسد لا تحاولوا مهما بلغت وعودكم وحوافزكم المالية والإعمارية، فلا تطبيع، ولا تفاوض مع العدو الصهيوني، ولن تنفذوا مهما كانت المغريات.
أما للإخوة العرب نقول: ستعودون إلى دمشق كما عاد إخوة يوسف إلى يوسف، وأقروا بخطيئتهم البشعة، طالبين من يوسف الصفح عنهم بعدما أخرجه اللـه من البئر وصار ملكاً منتصراً بالحق، تماماً كما هي سورية اليوم تستقبل الإخوة العرب، فأهلاً وسهلاً بكم في دمشق قلب العروبة النابض لكن ليس على حساب مبادئ وصمود وتضحيات سورية.