تغيير المجتمع بوساطة ذات المجتمع، ربما تكون عملية معقدة من خلال أنها شاملة وضرورية، إذا أردنا الدفع بمستوى التنمية وتحقيق تكامل نوعي بين عناصرها، وإحداث مشاركة بين أفراد المجتمع تحت مظلة سياسات واقعية، تستخدم الوسائل الصحيحة والأدوات الملائمة، وغدا أكثر من مهم وضروري تدخُّل الدولة وعملها على إعادة تنظيم العمل والصحة والتعليم ونظم الرعاية، وأهم دور يكون للسياسة الاجتماعية إعطاؤها الدور التنموي الاجتماعي، الذي يسير مباشرة إلى مكافحة الأمية التعليمية والأمية الفكرية اللتين بهما يتعزز التخلف المنجب الرئيس للفقر ومختلف درجاته، ومن دونهما ينهض هذا الذي اهتمَّ به تحت مسار عنواننا.
وعندما نخوض غمار التقهقر الاقتصادي الذي يؤدي إلى البطالة والفقر، وهما حالتان تعتبران من أكبر التحديات التي تواجهها الدولة، فيُعدُّ الحدُّ منه قبل القضاء عليه ضرورة اجتماعية واقتصادية وسياسية وأخلاقية.
هل نتابع أن في هذا البلد إجماعاً على إحداث التنمية الاقتصادية، لأن بها فقط يتم الحدُّ من الظواهر المسيئة لبناء مجتمع يسعى لتحصين بنائه، وتسريع عمل البناء الاقتصادي الحقيقي لا الوهمي، يمنح فرصاً للتغلب على الكثير من المعضلات والآفات الاجتماعية، وأهمها الفقر وتأمين العمل للأجيال الصاعدة التي تتهيأ للدخول إلى سوق العمل كل عام، وتترجم نتائجها بدوران العجلة الاقتصادية التي تفتح أبواب النمو، ومؤكد أن الجميع يؤيد أن الفقر آفة فتاكة، عرفتها شعوب الأرض، ولا تخلو منها دولة على وجه كوكبنا الحي طبعاً بنسب متفاوتة، خطورتها عندما تبدأ بنخر خلايا المجتمعات، وتسهم في توليد وتفريخ الهدّام، منها انتشار المخدرات والدعارة وسوء التغذية والفساد بكل أشكاله والبطالة بشكليها المقنع والدائم.
إنّ قياس ظاهرة الفقر أصبح من السهولة بمكان تحديدها، وغدونا نضع العديد من التعاريف للفقر ودرجاته، فقر مدقع، وخط للفقر، والفقر الأدنى، والفقر الأعلى، وأهم تعريف اقتصادي للفقر هو ذاك الذي يفتقد فيه الفرد الدخل الكافي للحصول على المستويات الدنيا من الرعاية الصحية والغذاء والملبس والتعليم، إضافة إلى الاحتياجات الضرورية لتأمين الحدّ الأدنى من المستوى اللائق للحياة، كان الإنسان يعتبر فقيراً إذا كان دخله غير قادر على تأمين الإنفاق الكافي لشراء الحد الأدنى من حاجاته الغذائية، وأصبح اليوم ينعت بالفقر، إذا كان غير قادر على تأمين مجموعة من الاحتياجات، من بينها الغذاء الصحي والسكن والملبس والطبابة والاستشفاء والصرف الصحي والمياه النقية وتسديد فواتير الماء والهاتف والكهرباء وتلبية الواجبات الاجتماعية.
المعاناة الحالية التي أنجبتها الأزمة نتاج عقد من الحرب الظالمة على شعب آمن كان يتمتع بكامل مقومات الحياة، أفرزت مشكلات ظاهرة وخفية، أهمها تلك الهوة التي توسعت في مستويات الدخل والمعيشة نتاج إنهاء الطبقة الوسطى التي تعتبر منتجة ومستهلكة في آن، ما أدى إلى ارتفاع نسبة الفقر لدرجة مذهلة، وخلق مشكلة فرص العمل أولاً، وتوظيف الإمكانات الهائلة للشباب في عملية التنمية الاقتصادية وعدم الاكتفاء بتأمين الوظيفة كوظيفة لا تسد رمق العيش، لأنها تفتح أبواباً جديدة للفساد بكل أشكاله، حين تكون الوظيفة بلا هدف، هل تكون مهمة سياستنا بناء طبقة وسطى في جميع القطاعات؟ هذه التي ينبغي أن نمنحها الامتيازات والتسهيلات ونحملها المسؤوليات، فهي التي تنتشل الطبقة الفقيرة وتدير العجلة الاقتصادية.
إن علاج آفات المجتمع يتطلب بناء إستراتيجيات وطنية للتنمية المستدامة وتعزيز الاتجاهات الرامية لوضع سياسات واعية لما ستذهب إليه وفاعلة، لخفض نسب الفساد الاقتصادي والاجتماعي بآفاته، وإيجاد شراكات حقيقية بين طبقات المجتمع، وأهمها الطبقة الوسطى التي انعدمت أو أعدمت لمصلحة الطبقة الاقتصادية العليا المدعومة بشكل أو بآخر من بعض القوى المسؤولة عن إدارة المجتمع وحمايته.
إن أهم ما يجب أن نلتفت إليه ونحن نتجه إلى الاستقرار يكمن في تأمين سياسة اجتماعية ناجعة، تعالج الخلل الفاضح والواضح للعيان، وهذه مسؤولية السلطة التنفيذية التي ينبغي عليها أن تضعها في أولويات تحمّلها للمسؤوليات، وأن تكون على محمل الجد، لأنه وللأسف وأنا أخطُّ كلماتي بوضوح أشهد على البعض الذي يتحدث بمثالية جوفاء وإدارة آنية لا واقعية فيها ولا مستقبل، هؤلاء غير القادرين على العدول عنها وقراءة الواقع بشكل إصلاحي، الذين يتبنون أفكاراً ارتجالية، ويرفضون رؤية الواقع، ويرونه عبئاً ثقيلاً عليهم، يستحسن إبعادهم والاتجاه إلى العمل الحقيقي والإنجاز فيه.
الحلول متوافرة أمامنا، فلم يعد مقبولاً المنهج الماضوي أو ثقافة الانتظار، رغم أنه مازال يخترق الحياة اليومية، نحن في حالة مرضية، أتمنى الاتجاه لعلاجها علمياً وعملياً لا نظرياً أو تنظيرياً.