رأيت الفنان الكبير الراحل زهير رمضان لأول مرة صيف عام 1988 عندما أمضيت نحو أسبوع مع أسرة فيلم «ليالي ابن آوى» الذي كتبه وأخرجه الصديق المبدع عبد اللطيف عبد الحميد. فوجئت بأداء زهير المتمكن لدور الشيخ، إذ أضاء بلمعان عينيه ولغة جسده ونبرة صوته أبعاداً خبيئة في الشخصية عززت خصوصيتها البيئية وحضورها المقنع، وعندما علمت أنه متخرج في المعهد العالي للفون المسرحية منذ خمس سنوات صدمت إذ علمت أن تلك كانت فرصته الأولى، ولهذا لم أسمع به من قبل!
في استراحة بين مشهدين جلسنا نحتسي الشاي في الظل، الفنان زهير رمضان وأنا. قال لي بفضول وهدوء وعيناه تشعان بضوء غريب: «كيف شفت شغلي؟» أجبته ضاحكا: «شاقق الأرض وطالع».
والحق أن فيلم (ليالي ابن آوى) أثبت فرادته رغم قسوة ظروف إنتاجه، رغم ذلك فقد أشاع بعض (الفنانين) أن لجنة تحكيم مهرجان دمشق السينمائي منحت الجائزة الذهبية للفيلم كمجاملة لسورية لكونها البلد المنظم للمهرجان! لكن هؤلاء سرعان ما ابتلعوا ألسنتهم عندما فاز «ليالي ابن آوى» بعد يوم واحد بجائزة الزيتونة الذهبية في مهرجان حوض البحر الأبيض المتوسط بكورسيكا، كما فاز بعد مدة بالجائزة الذهبية في مهرجان الفيلم الأول الدولي في أنوناي بفرنسا عام 1990.
عقب عرض الفيلم البديع «رسائل شفهية» تأليف وإخراج عبد اللطيف عبد الحميد، أتيحت لي الفرصة مرة أخرى كي أجلس على انفراد مع زهير رمضان، فهنأته على أدائه المتميز لشخصية أبو كمال، وتمنيت عليه أن يدقق أكثر في اختيار الأدوار التي يؤديها وخاصة أنه أصبح نجماً ولم تعد قصة الانتشار تصلح مبرراً لقبوله أي دور يعرض عليه. يومها ضحك الرجل وربت على كتفي من دون أن يقول شيئاً.
صحيح أن الفنان الراحل زهير رمضان ظهر في أكثر من مئة مسلسل، وعدد محدود من الأفلام السينمائية، غير أن أغلب الناس لا يتذكرون من أدواره التلفزيونية إلا دور رئيس المخفر الفاسد «أبو جودت» في مسلسل البيئة الشامية «باب الحارة» ودور المختار «البيسة» في مسلسل «ضيعة ضايعة».
في مطلع التسعينيات دعاني الفنان زهير رمضان كي أكون عضوا في لجنة قبول أعضاء جدد في نقابة الفنانين من ذوي المواهب الذين لم يتخرجوا في معاهد وأكاديميات فنية وقد كنت شاهداً على موقف أشعر أنه من واجبي أن أكتب عنه.
في صبيحة اليوم الأخير من الامتحانات الشفوية كنت أول الواصلين إلى غرفة اللجنة، وما إن جلست حتى رن الهاتف، رفعت السماعة فجاءني صوت عميق يطلب زهير رمضان حاف من دون ألقاب، أجبت المتصل بلهجة رسمية أن الأستاذ زهير لم يصل بعد، رد المتصل بتعال وجفاف: أبلِغْه أن الوزير الفلاني اتصل به.
فور وصول الفنان زهير رمضان، ناولته القصاصة التي كتبت عليها اسم الوزير، وما إن ألقى نظرة عليها حتى أطلق ضحكة خافتة كما لو أنه يعرف البئر وغطاءه!
غمزني زهير قائلاً: «صوتك غير معروف، أرجو أن ترد على كل الاتصالات، وأن تبلغ جميع المتصلين أن اللجنة وضعت الهاتف في الخارج عند الآذن. يومها تلقيت أكثر من سبعة اتصالات عليا، وعندما جاء دور المتقدم (المدعوم) وجدنا أنفسنا أمام شاب بالغ الوسامة لكنه عديم الموهبة وضحل الثقافة فلم يحصل إلا على علامة المظهر العام.
السلام وعطر الياسمين لروح المبدع الكبير زهير رمضان، فقد كان رغم ظرفه وميله للمرح، شديداً لا يعرف في الحق لومة لائم.