معرض «ذاكرة من الألف إلى النون» حوارٌ تشكيليٌّ بين الأجيال … وزيرة الثقافة: أجمل المعارض التي شاهدتها في الصالات الخاصة
| سوسن صيداوي - ت: عمار بدوي
تنسيق أعمال مختلفة بالأسلوب والمدرسة المتبوعة، وبالزمن الذي ينتمي له الفنانون، لهو أمر شائك إن لم يحقق الغاية المرجوة من هذا التمازج، ولكن أن تجد معرضاً يضم هذه الأعمال الفنية، والتي تعود إلى رواد تشكيليين في الزمن الماضي والمعاصر، وتحقق كل واحدة منها، الإبهار والدهشة للزائر، هنا يحقق المعرض غايته المرجوة ويكون بحد ذاته كمتحف صغير.
وهذا ما حصل في معرض «ذاكرة من الألف إلى النون» الذي أقيم بمناسبة أيام الثقافة السورية وبرعاية د. لبانة مشوح وزيرة الثقافة. إذ احتضن غاليري ألف نون- المستمر لغاية الـ 9 من كانون الأول المقبل – أربعين عملاً، تنوعت بين اللوحات والمنحوتات، التي تعود لأجيال منها المؤسسون للحركة التشكيلية السورية، الذين شكلوا بفنهم مدارس تنتمي إليها الأجيال اللاحقة، منهم: فاتح المدرس، محمود حماد، أدهم اسماعيل، نعيم اسماعيل، ميشيل كرشه، عدنان جباصيني، دراق سباعي، نذير إسماعيل، زياد زكاري، وحيد مغاربة وسوسن جلال. ومن الجيل اللاحق: ممدوح قشلان، عبد المنان شما، طلال معلا، غسان جديد، نبيل السمان، علي حسين، عدنان حميدة، سموقان، جمعة النزهان، نعمت بدوي، موفق مخول، جمال بوستان، عاصم الرهبان، أكسم طلاع، ميساء عويضة، عمار حسن، جورج عشي وبديع جحجاح.
النحاتون: فؤاد أبو عساف، لطفي الرمحين، محمد بعجانو، مصطفى علي، إحسان العر، فؤاد طوبال، زكي سلام، غازي عانا، نزار علي بدر، رامي وقاف وأكسم السلوم.
يعود لآلاف السنين
شددت وزيرة الثقافة د. لبانة مشوح في حديثها للإعلام، بأن سورية كانت وما زالت مهداً للحضارات، وبالنسبة للأعمال التشكيلية أكدت بأننا ننتمي إلى وطن غني بالمنحونات وتعود بالقدم إلى الألف الثامن قبل الميلاد، ففي شمال سورية وجدت هناك منحوتات تعود إلى ذلك الزمن وهي تمثل آلهة الخصب، ما يدل أن الإنسان السوري اهتم بالتشكيل على الخصوص منذ عشرة آلاف سنة، وعن المعرض تابعت: «معرض «ذاكرة من الألف إلى النون» يندرج بقائمة النشاطات التي تعود إلى أيام الثقافة السورية، ومن جولتي فيه تأكدت بأنه من أجمل المعارض التي شاهدتها حديثاً في الصالات الخاصة، لأنه يجمع مقتنيات لفنانين رواد، وشباب، وهواة. والمجموعة جميلة جداً رغم أنها غير متناسقة، بمعنى أن كل عمل يمثل عالماً قائماً بذاته، منها الانطباعية والواقعية وغيرها من المدارس.
وأخيراً الفن التشكيلي في الفترة الحالية هو أفضل من السابق إذ بدأ يسير في خطه التصاعدي ويستعيد ألقه، وخصوصاً بأنه يضم باقة من الفنانين التشكيليين المتميزين».
جرعة من حسّ السعادة
في حين وجّه مدير الغاليري التشكيلي بديع جحجاح رسالة للجيل غير المعني بالفن التشكيلي خلال حديثه لـ«الوطـن» قائلاً: «أقول لكل الناس بأن الفن محيط بنا بكل الأمكنة وبكل شيء بالأزياء، بالشوارع، وحتى العمارة بحد ذاتها فن، فالفن ليس حالة نخبوية بين الفنان والمجتمع، ونحن نسعى بأن يكون الفن متاحاً لكل أطياف المجتمع، من خلال مشاريع بالتعاون مع وزارة التربية ووزارة الثقافة، تمكن التلاميذ في المدارس من التعرف على الفن التشكيلي من الصف الأول الابتدائي إلى الثالث الثانوي، ونعرفه من خلال الورشات التي نقوم بها في المعاهد والنوادي، بأن الفن التشكيلي له قيمة ومعان، فنحن نقوم بتصويب بكل ما هو فن عالي القيمة، ليرتقي بالإنسان ويفتّح مداركه بعيداً عن الفن الرخيص على جميع المستويات الذميمة، وأنا مع الفن الذي أحاول بأن يكون ممنهجاً وله رسالة وهدف».
أما بالنسبة للأعمال المشاركة في معرض (ذاكرة من الألف إلى النون) تابع جحجاح: «الأعمال المشاركة جزء منها يعود لمقتنيات الصالة، إضافة إلى الشراكات الإستراتيجية مع الفنانين التشكيليين، إذ نستثمر بالفن بطريقة تزيد من الدعم في الدورة الاقتصادية، لذلك قررنا أن نعمل متحف «ذاكرة من الألف إلى النون»، وفيه يأتي الزوار ليروا أنواعاً من الأعمال الفنية المختلفة، سواء بالأسماء أم بالطروحات، تفضي بالنتيجة إلى تنوع بصري، يقدم جرعة مكثفة من حس الشعور بالسعادة الجمالية التي تنبعث مع الزوار، واللقاء مع الفنانين يقدم ذاكرة مفتوحة على مستوى الرقي والإبداع، لذلك (ذاكرة من الألف إلى النون) تعني دمج الفنون، وبالتالي هي وعي جديد بالفنون».
كلّ التجارب للجمهور
من جانبه حدثنا الناقد والنحات غازي عانا عن معرض «ذاكرة من الألف إلى النون» بالعموم وعن تجربته التي شارك بها قائلاً: «أولاً أنا سعيد بمشاركتي بهذا المعرض، ثانياً وكوني متابعاً للحركة التشكيلية منذ أكثر من ثلاثين عاماً إضافة لكوني نحاتاً، وجدت أن هذا المعرض هو من أجمل المعارض، لكونه غنياً جداً بالأعمال الفنية المتنوعة ما بين الرسم والنحت، والتي تعود إلى فنانين من أجيال مختلفة، ما يغني الحالة ويزيد من القيمة الفنية، سواء بالأسلوب أو بالمدارس التي يتبعها الفنان، وبالمواضيع المختارة. وعن مشاركتي قدمت عملاً نحتياً يذهب نحو التشخيص البعيد الذي يجسد الواقع وهو بعيد عن التجريد، وأخيراً أحب أن أضيف نقطة مهمة بأن على النحات أن يقدم للجمهور كل ما يخطر بباله من تجارب وصيغات، كي يعرف آراءهم حولها ما يزيد من غنى الحالة لديه، وأتمنى من طلاب كلية الفنون الجميلة زيارة المعرض لأن فيه الكثير من الفائدة لهم».
ناقد وفنان واع
من جانبه عبر الناقد والتشكيلي عمار حسن عن تقييمه للحركة التشكيلية السورية بالقول: «ما نراه في الوقت الحاضر من منتج تشكيلي متواضع في الحقيقة إن قمنا بتقييمه بالحركة التشكيلية السورية، نأمل في أن يكون المستقبل واعداً أكثر مما هو عليه.
ومفهوم الفن هو مفهوم متغير وبالتالي فكرة إنتاج اللوحة تخضع لهذا المفهوم، وما زلنا نرسم اللوحة ونرسم الموضوع بالوقت الأهم فيه أن نرسم ذاتنا عندما نكتشفها، وبالتالي ما نراه هو مواضيع جاهزة غالباً. وأحب أن أشير هنا إلى نقطة وهي، الفرق كبير بين أحد يرسم وفنان يرسم، فمن هنا يمكن أن نتحدث عن حركة تشكيلية إذا ما تضافر عاملاها، بمعنى وجود الفنان وليس الرسام مع وجود الحركة التنظيرية لما ينتجه الفنان، هذا الأمر يخلق الحوار بين الناقد الواعي لما يرى، والفنان الواعي لما يرسم في مشروعه، وبالتالي هنا ستبدأ الحركة بالتبلور أكثر وبالتطور بالمشهد التشكيلي السوري».
بين المال والحاجات يضيع الإبداع
في الختام التقينا الفنان التشكيلي جورج عشي الذي حدثنا عن مشاركته وعن تفاؤله بالفن التشكيلي السوري، قائلاً: «عودنا الفنان بديع جحجاح بأن يكون المعرض محتضناً لكل المدارس والأعمال، ومتنوعاً في الأساليب وحتى في المواد المختلفة، هذا وسيلاحظ الزوار أن هناك أعمالاً إبداعية. وهذا المعرض لفت انتباهي لكونه يضم من الرواد والمعاصرين والشباب، فعين الزوار ستشبع من مشاهدة الجمال بالأعمال ذات القيمة العالية سواء بأسلوبها وبمواضيعها. وأخيراً وبالنسبة للفن التشكيلي السوري في الوقت الحالي، فأنا لست متفائلاً، لكون المواد غالية جداً، واللوحة بحد ذاتها تحتاج إلى الأموال كي يقوم الفنان برسمها، وخصوصاً في ظل تدني المردود المادي، فهنا سينحي الفنان حبه واستمراره بالفن جانباً، كي يعيش ويصرف على عائلته، أو سيندفع إلى الحصول على مواد رخيصة ليرسم، وبالنتيجة ستتأثر القيمة الفنية للعمل».