في 28 نيسان عام 2020 نشر الملحق الاقتصادي في صحيفة «يديعوت أحرونوت» تحليلاً عن الوضع الاقتصادي المتفاقم في الكيان الإسرائيلي ووصفه بغير المسبوق منذ السنوات العشر العجاف التي ولدتها حرب تشرين عام 1973.
فقد كشف التحليل أن الاقتصاد الإسرائيلي تعرض بعد حرب تشرين 1973 مباشرة لأزمة اقتصادية رافقها شعور بالإحباط بسبب نتائج حرب تشرين عند «الشبان الذين شعروا بهول الصدمة وأدركوا أنهم وحدهم يدفعون ضريبة الموت والحرب بينما يهود العالم الآخرون يعيشون بأمان ولا يجبرون على الخدمة العسكرية ولا يحيط بهم الأعداء من كل جانب»، وهذا ما كان قد اعترف به البروفيسور أليعازار شفايد في دراسة بعنوان «الصهيونية بعد مئة عام» نشرها عام 1997 بمناسبة مرور 100 عام على انعقاد المؤتمر الأول للحركة الصهيونية.
وبالمقارنة مع تلك السنوات العشر يستدل مما تنشره وسائل الإعلام الإسرائيلية والدولية في الظروف الراهنة أن الوضع الاقتصادي وكذلك العسكري والاجتماعي الراهن ومنذ ثلاث سنوات بدأت تظهر فيه أزمات تستعصي على الحل وتغوص مضاعفاتها عميقاً في قلب المشروع الصهيوني وتهدد مستقبل إسرائيل وتعدد وسائل الإعلام المختلفة المظاهر والعوامل الأساسية لتدهور الوضع الشامل الإسرائيلي ومنها:
1- المضاعفات السلبية المستمرة على الاقتصاد والأمن جراء إصابة مليونين وأربعمئة ألف بكورونا حتى الآن وهذا ما يشكل 18 بالمئة من اليهود المستوطنين لأن نسبة الإصابات عند الفلسطينيين داخل الأراضي المحتلة منذ عام 1948 أقل بكثير من نسبتها عند اليهود ولا تزال الوزارات المختصة في إسرائيل تعمل بموجب حالة طوارئ منذ أشهر وتفرض الإغلاقات في الداخل ومن الخارج فتتعطل نسبة كبيرة من المؤسسات والمرافق ويزداد تأثيرها مع قلة التعويضات التي تدفعها الدولة للمرافق الاقتصادية التي تعاني من ركود غير مسبوق وزيادة في غلاء المعيشة وانتقل تأثير هذا الوضع إلى الجيش الإسرائيلي ورواتب قواته النظامية فاضطرت الحكومة فوراً قبل أسبوع إلى الإعلان عن زيادة رواتب الجيش بـ50 بالمئة وهذا ما يشكل دليلاً صارخاً على أن نسبة من الجنود النظاميين بدؤوا يفكرون بخيارات بديلة فخشيت الحكومة من أن يؤدي ذلك إلى نقص حاد في عدد القوى البشرية للجيش فسارعت إلى إعطاء هذه الزيادة المغرية للمحافظة على الموجود ويذكر أن انحسار الهجرة اليهودية خلال السنوات العشر الماضية وتزايد نسبة الهجرة المعاكسة ولدا أزمة نقص في القوى البشرية في الجيش وخاصة أن 15 بالمئة من الإسرائيليين لا يخدمون في الجيش لأنهم ممن يعدون أنفسهم من المتدينين السلفيين الذين لا ينشغلون إلا بالتوراة والتلمود فقط وهم من العائلات كثيرة الأبناء بينما الذين يخدمون في الجيش من عائلات معظمها لا يزيد أفراد كل منها على اثنين من الأبناء أو ابن واحد.
2- العامل الثاني هو تناقص «فاعلية قدرة الردع»، ففي دراسة نشرتها المجلة الفصلية العسكرية الإسرائيلية «بين هاقطابيم» أي «بين الأقطاب» في شباط 2019 بعنوان «من الذي نخيفه بعد تناقص الردع»، اعترف كاتب المقال العقيد عيرين أورطال بأن قدرة الردع لم تحقق أهدافها منذ الاجتياح العسكري للبنان لا في منع استمرار المبادرة بالهجوم على إسرائيل وجيشها ولا في منع زيادة قدرة وقوة الأطراف التي تستهدف إسرائيل وخاصة من قبل قوات غير نظامية تابعة للمنظمات المسلحة مثل حزب الله والفصائل الفلسطينية.
وفي واقع الأمر تمكنت قوى محور المقاومة منذ عام 2006 من منع إسرائيل من المبادرة إلى شن حرب شاملة أو «وقائية» مسبقة سواء ضد سورية أو ضد المقاومة اللبنانية في جنوب لبنان أو ضد المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة فأصبحت هذه الأطراف هي التي تردع إسرائيل عن شن حرب شاملة لأنها ستعرضها لهزيمة على غرار حرب عام 2006 فالكل يلاحظ أن إسرائيل لا تشن سوى غارات تكتيكية محدودة ومتقطعة وبشكل حذر خشية الردود عليها عبر حرب شاملة ضدها.
ولذلك يتساءل بعض المختصين بالشؤون العسكرية في إسرائيل: إلى متى سيبقى هذا الحال؟ وما النتائج التي يولدها على مستقبل إسرائيل في السنوات العشر المقبلة طالما أنه أصبح وضعاً رسّخ نفسه في السنوات العشر 2000-2010 ولم تستطع إسرائيل التخلص منه في السنوات العشر الماضية 2011- 2021 بفضل هذه الأطراف؟
يرى هؤلاء المحللون أن جبهات الحرب الثلاث ضد إسرائيل لا تزال قائمة من الشمال والجنوب وفي قلب الجبهة الداخلية ولم تنه وجودها اتفاقات كامب ديفيد ووادي عربا وأوسلو وهذا ما جعل إسرائيل تتفاقم أزماتها الأمنية بعد مضاعفات انتشار وباء كورونا فيها من دون انخفاض أو توقف نسبي وما ولده من شلل في اقتصادها، ويبدو أن إسرائيل تواجه الآن خيارات ضيقة جداً لأن استمرار هذا الوضع والطريق المسدود أمام حلوله سيفرض تآكلاً في نفس مشروعها الصهيوني فهي عاجزة عن التوسع وعاجزة في الوقت نفسه عن المحافظة على ما لديها في ظل وجود سبعة ملايين فلسطيني تحتل أراضيهم وتعجز عن فرض إرادتها عليهم وعن التخلص من الجبهة التي يشكلونها في كل أرجائها.