لا شك في أن الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأميركي جو بايدن لديهما رغبة جامحة في تعزيز الاستقرار وتخفيض حدة التوتر، إلا أن الرغبة شيء والواقع شيء آخر. تضمنت القمة الافتراضية يوم الثلاثاء تحذيراً متبادلاً، وهذا هو المضمون الحقيقي لها.
حذرت موسكو واشنطن من توسيع الناتو شرقاً أو من وضع أسلحة هجومية بالقرب من حدود روسيا، وحذرت واشنطن موسكو من اجتياح أوكرانيا.
ليست العلاقات بين العملاقين الدوليين اليوم في أحسن أحوالها، يفضل الروس دائماً التعامل مع رئيس أميركي جمهوري، فهو أقل سوءاً من زميله الديمقراطي، فالجمهوريون يفضلون التنافس الاقتصادي والسياسي القوي مع موسكو إضافة إلى التدخل الناعم، كما أنهم لا يبدون اهتماماً زائداً بأوروبا والناتو ولا بالإيديولوجيا (تصدير الديمقراطية)، أما الديمقراطيون فيهتمون بالإيديولوجيا وبأوروبا والناتو وبالتصعيد العسكري.
إذا استثنينا فترة القطب الواحد (1990-2011) حيث جال الجمهوريون والديمقراطيون في الساحة الدولية بحروبهم وعدنا إلى مرحلة ثنائي القطب (1950-1990) نجد أن الحروب تم إشعالها في عهد الديمقراطيين وتم إطفاؤها في عهد الجمهوريين، فالحرب الكورية قامت في عهد الديمقراطي هاري ترومان وانتهت مع الجمهوري دوايت آيزينهاور، حرب فييتنام اشتعلت في عهد الديمقراطي ليندون جونسون وكذلك حرب 1967 وانتهت حرب فييتنام مع الجمهوري ريتشارد نيكسون، فكرة «الإرهاب من أجل أميركا» اخترعها زبغينيو بريجنسكي في عهد الديمقراطي جيمي كارتر، في حين ظهر مفهوم تخفيف حدة التوتر «ديتانت» وانعقاد مؤتمر الأمن والتعاون في عهد الجمهوري نيكسون، والانقلاب في أوكرانيا تم في عهد الديمقراطي باراك أوباما.
لم يكن الجمهوري دونالد ترامب مهتماً بأوروبا والناتو، الأمر الذي أراح موسكو فترة من الزمن. كان ترامب يؤسس لما يسمى «بالانعزالية الجديدة» كما أن خروجه من اتفاق البيئة يمثل صفعة لحلفائه في أوروبا. الديمقراطي أوباما قبل ترامب فاوض فنلندا لإدخالها في حظيرة الناتو وهو ما اعتبرته موسكو خطاً أحمر.
اليوم يعمل الديمقراطي بايدن على إدخال فنلندا وأوكرانيا في حلف الناتو ويعلن اهتمامه الكبير بأوروبا وبحلف الناتو اعترافاً منه بأن العالم أضحى متعدد الأقطاب ولا بد من تسخين المواجهة. روسيا بالمقابل أصبحت قوة دولية حيث استعادت موقعها أيام الاتحاد السوفييتي، ومسألة أوكرانيا تثبت أن تمدد الناتو باتجاه حدود روسيا ينبغي أن يتوقف وأن فنلندا وأوكرانيا خط شديد الا حمرار.
هذا هو التوازن الحرج اليوم، قد لا تكون هناك مساحة كبيرة للتفاؤل لكن المهم أن أميركا لم تعد الآمر الناهي كما كانت قبل أعوام، وهذا في حد ذاته تحول إيجابي كبير.