صراع الكباش بين أميركا والصين ينطلق من أن الأولى قوة أعظم قديمة، بينما الثانية تتقدم كقوة عظمى صاعدة تتطلع لمكانة أعلى في العلاقات الدولية، وبين القوة القديمة والقوة الصاعدة، يعيش العالم مرحلة قلق وترقب.
الصراع الأميركي الصيني، لا ينحصر فقط في التجارة، بل يتعداها إلى السياسة ومناطق النفوذ في العالم، وفي سباق التسلح، وهو صراع قد يتحول إلى مجابهة عسكرية، لكنه أشد من الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفييتي في القرن العشرين بحسب جون ميرشايمر، من جامعة شيكاغو.
تتجه الصين بقوَّة صعوداً نحو قمَّة النظام الدولي، لتُصبح قوَّةٍ عُظمى على مستوى الولايات المتحدة عام 2050م، وهذا الاندفاع الصيني دعا واشنطن لمراجعة سياساتها تجاه بكين، والتحوُّل من سياسة الشراكة الإستراتيجية التي سادت بعد نهاية الحرب الباردة إلى التنافُس الإستراتيجي.
الشيء الوحيد المُتفق عليه بين الجمهوريين والديمقراطيين، هو أن الصين تشكل أكبر تهديد استراتيجي طويل الأمد لأميركا.
ربما تمثل سياسات الرئيس الأميركي جو بايدن؛ اختلافاً عن سياسات سلفه دونالد ترامب، لكن عندما يتعلق الأمر بالعلاقات مع الصين، فان ملف هذه العلاقات يدار حسب مرتكزات السياسة الخارجية الأميركية تجاه الصين كقوة إقليمية ودولية على المستويات الاقتصادية والأمنية والاستراتيجية، وبايدن حافظ إلى حد كبير على الموقف المتشددة لترامب؛ حيث رفض، مثلا، إبطال زيادات الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب على الصادرات الصينية.
خلال اللقاء الافتراضي الذي جمع الرئيسيْن، الأميركي ونظيره الصيني شي جين بينغ، شدد الأخير على ضرورة أن يحسّن البلدان العلاقات والتواصل في ما بينهما، بينما أخبر بايدن نظيره الصيني أنه يريد «نقاشاً واضحاً ومباشراً للتفاهمات حول نقاط الاختلاف والمصالح المشتركة».
الرئيس شي بين أن الجانبيْن بحاجة إلى «إدارة الخلافات والقضايا الحساسة بطريقة بنّاءة، لمنع العلاقات بينهما من الخروج عن مسارها».
القمّة جاءت في ظلّ العدوانية الأميركية المتزايدة وتحالف الولايات المتحدة وأستراليا وبريطانيا، الأمني – الإستراتيجي متعدّد المستويات «أوكوس» ضد الخصم الصيني، وحذّر الرئيس شي نظيره الأميركي، من أن السعي إلى تحقيق استقلال تايوان هو لعب بالنار.
القمة لم تخرج عن سياق إدارة التفاهمات الخلافية لتهدئة التوترات وتجنب حرب باردة بين البلدين وإدارة العلاقة بشكل أقل عداء ومنعها من الانزلاق إلى صراع صاروخي نووي.
في 27 تموز أصبحت الصين أول بلد يطير حول الأرض بمركبة انزلاقية سرعتها تزيد على خمسة أضعاف سرعة الصوت وبإمكانها ضرب أهداف في أميركا، وهذه واحدة من أحدث القدرات الصينية النووية التي أطلقت عدة أجراس إنذار في واشنطن.
وعلق رئيس هيئة الأركان المشتركة في الولايات المتحدة الجنرال مارك ميلي، على الاختبار بالقول: «إننا نشهد أحد أكبر التحولات في القوة الجيوستراتيجية التي خبرها العالم على الإطلاق».
تعمل الصين على امتلاك التقنيات التكنولوجية المتقدمة، مثل: الذكاء الاصطناعي، والحوسبة الكمية، وشبكات الاتصالات من الجيل الخامس، وهو ما يثير مخاوف صقور الأمن الوطني في واشنطن.
أدركت الصين أن الفوز بالتنافس الاقتصادي غير ممكن دون امتلاك النفوذ الجيوستراتيجي القادر على إسناد صعودها؛ إذ إن تأمين احتياجات الصعود الاقتصادي، وخاصة إمدادات الطاقة، بحاجة إلى علاقات سياسية بدول المصدر والممر، وحضور عسكري لحماية هذه الإمدادات والصادرات لذلك اتجهت الصين في السنوات الأخيرة غربًا؛ نحو البلدان الواقعة على طريق الحرير.
وتُعَدُّ مبادرة «الطريق والحزام» مشروعًا جيوسياسياً عملاقًا تسعى الصين لتحقيقه إلى جانب مشاريع مشابهة، وسيصل استثمار الصين في مشروع الطريق والحزام لحوالي 1.3 تريليون دولار بحلول العام 2027.
دفع تفشي وباء كوفيد-19 باتجاه المزيد من التراجع النسبي للولايات المتحدة في السنوات المقبلة، وسيتفوق أداء الصين ودول شرق آسيا على أداء الولايات المتحدة ودول أوروبا في التعامل مع الوباء وأوضحت الدراسات أن تفشي فيروس كورونا وتأثيره على الاقتصاد العالمي كان لمصلحة الصين. وتوقعت أن يبلغ متوسط نمو اقتصاد الصين 5.7 في المئة سنوياً بين عامي 2021 و2025.
ثمة أربعة سيناريوهات للعلاقة الأميركية الصينية هي: التهدئة، أو استمرار الوضع الحالي، أو الحرب الباردة، أو الحرب الصاعدة، وأميركا الحاكمة تجنبت الأعمال العدائية الصريحة حتى الآن، لكن هذا لا يعني أن الحرب ليست خطرا حقيقياً، وهناك خمسة أنواع من الحروب، ليست جميعها حروب إطلاق نار.
هناك حرب تجارية، وحرب تكنولوجية، وحرب جيوسياسية، وحرب رأسمالية وقد تكون هناك حرب عسكرية. سجل جيد للتنبؤ بالاتجاهات التشريعية.
وزير الخارجية الأميركية الأسبق هنري كيسنجر، وفي حوار أخير له، يقترح أن يكون هناك حوار متدرج من أجل؛ وضع ضوابط للمنافسة تقيد التورط والانزلاق إلى مواجهة عسكرية، وثانياً أن يكون هناك حوار يفتح أبواب المعرفة بمدى التفوق الصيني في مجال الذكاء الصناعي، وحذر كيسنجر من الوقوع في حرب عسكرية عبثية، يعتبرها كارثة بكل المعايير، ولا شكّ أن استجابة الصين للتحرُّكات الأميركية، هي التي ستُحدِّد طبيعة الصراع على المستوى الدولي على خلفية تفسيرها للسلوك الأميركي على أنَّه تهديدٌ وجودي لنظامها.
أخيراً تشير المؤشرات الاقتصادية والسياسية والعسكرية إلى تقدم مطَّرد للصين على المستوى العالمي، فيما تشير المؤشرات السياسية إلى تراجع للهيمنة العالمية للولايات المتحدة، وهو ما يدفع واشنطن لتأجيج التنافس الاستراتيجي بين واشنطن وبكين الذي قد يصبح «ساخناً» أكثر منه حربا باردة، وهو صراع الكباش المستمر الذي من المرجح أن يبقى في إطار إدارة التفاهمات الخلافية لتجنب الانزلاق إلى مواجهة عسكرية.