أيام الفن التشكيلي السوري (10000) عام الموسم الرابع … وزيرة الثقافة لـ«الوطـن»: هو ركن أساسي من أركان الإبداع الثقافي في فكره وقيمه لبناء الأجيال الوطنية
| سوسن صيداوي ت: طارق السعدوني
الفن لم يأت اعتباطاً، ولم يتجذّر من باب الصدفة، بل جاء بعدما كان متوغلاً في قيم ومعارف راسخة في أذهان ومشاعر لأشخاص، تفكّروا جيداً بالحالة وجسّدوها عبر الرسومات والنقوش، لتأتي إلينا بعد أكثر من عشرة آلاف عام، ليقول لنا الأجداد: انظروا هذا ما بنيناه وما تركناه لكم، خذوا منه واستمروا لتكونوا أنتم المبدعين السوريين، شعلة حضارة لا يمكن لغزو أو همجية أن تطفئها.
بحضور الدكتورة لبانة مشوّح وزيرة الثقافة، تم افتتاح (أيام الفن التشكيلي السوري (10000) عام الموسم الرابع) في دار الأسد للثقافة والفنون بدمشق، والمستمر بفعالياته المتنوعة ما بين المعارض والورشات والمسابقات وتوزيع الشهادات في كل المحافظات السورية، لغاية الثالث والعشرين من الشهر الحالي.
في الأجواء
بدأت الفعالية بافتتاح معرض للفنان محمود جلال في بهو قاعة الأوبرا، ومعرض للفنانين المكرمة ذكراهم وللفنانين المكرمين. ليبدأ بعدها الحفل بالوقوف دقيقة صمت لأرواح شهدائنا الأبرار، وعزف النشيد العربي السوري بقيادة الفرقة الوطنية السورية للموسيقا العربية بقيادة المايسترو عدنان فتح الله، ليأتي بعدها عرض ضوئي بعنوان(محمود جلال 110 سنوات) ورافقه عزف حي لمقطوعة خاصة بالفنان وحملت عنوان (تفاصيل) وهي من تأليف المايسترو فتح الله. لتقدّم وزيرة الثقافة كلمتها الخاصة بهذه المناسبة ولتقوم على الفور بتوزيع شهادات التقدير على ذوي المكرمة ذكراهم (ميلاد الشايب، سوسن جلال، فؤاد أبو عساف). ومن ثم تكريم الفنانين ( ناثر حسني، محمد بعجانو، ساره شما). لتُختتم الفعالية بمجموعة من المقطوعات الموسيقية التي قدمتها الفرقة الوطنية السورية للموسيقا العربية بقيادة المايسترو فتح الله.
كلمة الثقافة
في سؤال «الوطـن» لوزيرة الثقافة د. لبانة مشوّح حول أهمية الدعم المستمر للحريات الإبداعية، أكدت في إجابتها على أهمية الفن التشكيلي إلى جانب الموسيقا، المسرح، السينما، التأليف والكتابة، وبأنه لا يقل عنها، مشيرة إلى ضرورة الدعم المتنوع من أجل بناء جيل أكاديمي على مستوى عالٍ من الإبداع التشكيلي، لتقول: «وزارة الثقافة تعتبر الفن التشكيلي ركناً أساسياً من أركان الإبداع الثقافي في فكره وقيمه لأجل بناء الأجيال الوطنية، هذا وبطبيعة الحال نحن معنيون، وهذه الاحتفالية هي رابع احتفالية لأيام الفن التشكيلي، إذ يحتل الآن مكان شبه صدارة، بل ويتساوى الجميع -الموسيقا والمسرح والكتاب والإنتاج السينمائي- بالمكانة. ولدينا في كل أصقاع سورية معارض، منتديات وملتقيات وللنحت وللرسم والتصوير الزيتي والضوئي، إضافة للندوات الفكرية والحوارية مع الشباب الجامعي من أجل إكمال تأهيلهم الفني. كما وأحب أن أضيف إننا أصبحنا نلاحظ اليوم حركة تشكيلية مهمة جداً في سورية، تتزامن مع عودة الحياة لدور العرض الخاصة (الغاليريات) من جديد، والتي تعمل على استقطاب الفنانين من جديد وتفسح لهم المجال للتعبير عن رؤاههم الجمالية والفنية».
وعلى هامش الحفل وفي كلمتها أشادت د. لبانة مشوّح، بالريادة السورية للفن التشكيلي، وخصوصاً بأن الأراضي السورية بحضارتها الممتدة بالقدم لآلاف السنين مازالت آثارها أكبر دليل على الإبداع السوري الذي لا يمكن أن ينضب مهما اشتدّت المصائب، لتقول: «أمّا التشكيليون المحدثون، فقد كانوا أمناء على الرسالة. هم من أوائل من طالتهم تبعاتُ الحرب الهمجية على سورية، وممن دفع ثمناً غالياً نتيجة الإرهاب الظلامي الرافض لكل وسيلة تعبير حضاريّة، لا بل لكل وجود حضاري… استمر الفنان السوري على الرغم من كل الظروف، وأثبت أنه قادرٌ على أن يكون لإبداعه حضور لافت على الساحة الفنية داخلياً وخارجياً».
وعن المتابعة من جانب وزارة الثقافة بالاهتمام بالفن التشكيلي وفنانيه، أشارت د. مشوّح بأنه ولعام كامل تم رصد تطور الحركة التشكيلية السورية، ومن خلال الحضور في المعارض والملتقيات تبين الغزارة في الإنتاج، والدليل هو ما عكسه العدد الكبير من المعارض التي أقيمت في سورية وخارجها، متابعة « وهذا مؤشر بداية تعافٍ بدأت تؤتي أُكُلَها. لكننا لمسنا أيضاً تطوراً نوعياً في أعمال الكثير من التشكيليين السوريين التي سمت جمالياً وفكرياً، فكرّست بذلك دعائم أساسية للعمل الفني، وعكست تطوّراً في الأساليب والتقنيات والمواضيع. أعمال اختزنت ثقافة ثرّة واتّسمت بالنضوج المعرفيّ بأبعاده كافة معارض وملتقيات عديدة، أتاحت لنا التمتع بأعمال جمعت غنى البناء والتكوين، تجرّأت على التحديث في وسائل التعبير عبر التجريب في اللون، والتجريد في الخطوط، والتطوير في العلائق بين مختلف مكوّنات التشكيل وتوظيفها في التعبير الراقي عن الموضوع. تداخلت فيها المؤثرات الثقافية، أرجحتنا بين ملهاة الحياة ومآسيها، أغرقتنا في عوالم ورؤى فرضتها الأقدار، لكنها أضاءت فينا شعلة أمل، وغرست في لا شعورنا حافزاً على الاستمرار بالعمل والعطاء».
التكريم غير شخصي
لقد اشتُهر الفنان التشكيلي ناثر حسني بمشروعه الفني والذي تميّز خلاله بتوثيق مدينة دمشق القديمة بتفاصيلها، وفي تصريح خاص بـ«الوطـن» قال: «في الواقع أنا مسرور جداً وأشعر بفخر كبير بهذا التكريم، والذي تم وأنا على قيد الحياة. أنا اعتبره غير شخصي، بمعنى أنه لكل مواطن سوري يحب بلده ويقدم كل ما يستطيع من أجله، وأخيراً هو حالة صحيّة ويجعل من المكرمين سفراء للعالم كلّه، وهنا أتوجه بالشكر لهذه اللفتة الكريمة من وزارة الثقافة لاهتمامها بالمبدعين السوريين».
التكريم كالدافع
في حين التشكيلي النحات محمد بعجانو والذي اشتُهر بالمنحوتات الضخمة والتي كان يرغب دائماً بألا تكون مؤطرة بحدود، في تصريحه لـ«الوطـن» قال: «هذا التكريم يعني لي كثيراً، والتكريم سواء جاء من وزارة الثقافة مشكورة أو من أي مؤسسة فالأمر فيه الكثير من الدافع للشخص المُكرّم، وحتى ولو كان الأخير قد غادر هذه الحياة، لأنه بالنهاية يأتي كشكر على جهد المبدع المبذول وبأن بلده لن ينساه أبداً. وهنا أحب أن أضيف نقطة مهمة وهي أنه على الفنان أن يستمر مهما حاصرته الظروف الصعبة، وأن يسعى دائماً للاستمرار لأنه بهذه الحالة سيبقى متقداً ومتجدداً بفنه».
التشكيل السوري منافس عالمياً
من جانبها عبرت التشكيلية العالمية ساره شما عن سعادتها بهذا التكريم وخصوصاً أنه جاء من سورية الوطـن، وبتصريحها لـ«الوطـن» قالت: «أنا سعيدة جداً بهذا التكريم، وخصوصاً أنه جاء من بلدي الحبيب سورية، وأتمنى بأن تبقى هذه الفعالية مستمرة دائماً، لأن المبدعين يحتاجون إلى هذه اللفتة، وأشدد هنا وأؤكد بأن الفن التشكيلي السوري هو منافس لأي فن عالمي، ولكن ما ينقصه هو المؤسسات والرعاية، فنحن لدينا كم هائل من الفنانين المبدعين والثريين بتجاربهم، ولكن ما ينقصنا هو المؤسسات الداعمة سواء أكانت مؤسسات خاصة أم عامة».
تجدر الإشارة:
فعاليات أيام الفن التشكيلي السوري 2021 مستمرة بمجموعة من المعارض التالية:
– افتتاح معرض فن الكاريكاتير في المركز الثقافي بكفرسوسة في يوم الإثنين الواقع في 13/12 الساعة الواحدة ظهراً.
– افتتاح معرض لفناني الثمانينات في صالة الشعب يوم الثلاثاء الواقع في 14/12 الساعة الواحدة ظهراً.
– افتتاح المعرض السنوي (خط عربي- خزف- تصوير ضوئي) في متحف دمر يوم الأربعاء الواقع في 15/12 الساعة الواحدة ظهراً.
– إقامة ورشة عمل بالخط العربي لخطاطين من إيران مع مجموعة من الخطاطين السوريين وذلك في يوم الثلاثاء الواقع في 14/12 ولغاية الخميس 16/12 في متحف دمر.
– افتتاح معرض الخريف السنوي في خان أسعد باشا يوم الخميس الواقع في 16/12 في الساعة الواحدة ظهراً.
– مسابقة البورتريه للفنانين الشباب في قلعة دمشق من يوم الأحد 12/12 ولغاية 15/12/2021 يومياً من 9 صباحاً لغاية 5 مساءً، وسيتم افتتاح المعرض الخاص بالورشة مع توزيع الشهادات على المشاركين في المسابقة يوم الأحد 20/12 الساعة 1 ظهراً في قلعة دمشق.
– إقامة ندوات في كلية الفنون الجميلة بدمشق يومي الإثنين والثلاثاء 21 -22/12 الساعة 12 ظهراً.
– إقامة مسابقة الملصق (البوستر) ومعرض للمشاركين فيها في مكتبة الأسد الوطنية وذلك الساعة ١ ظهراً من يوم الخميس 23/12.
– إضافة إلى افتتاح معارض وورشات عمل وندوات في الصالات العامة والخاصة وكلية الفنون الجميلة ومعاهد الفنون في دمشق والمحافظات.