على الرغم من أن الرئيس الأميركي جو بايدن وصل إلى الرئاسة بدعم كامل من حزبه ومن الشارع ومن الإستابلشمنت، إلا أن رئاسته بدأت تخسر الكثير من التأييد، مع أن بايدن هو أول رئيس أميركي بعد الرئيس السابق رونالد ريغان عام 1980 الذي حقق قسماً كبيراً من أجندته الداخلية في السنة الأولى من رئاسته.
الرئيس بايدن حصل على موافقة الكونغرس على فاتورتي إنفاق كبيرتين إضافة إلى قانون «إعادة البناء بشكل أفضل».
مع هذا كله تعرض بايدن في الأشهر القليلة الماضية لانتكاسة كبيرة في أرقام القبول في الشارع الأميركي، وذلك لأن النقاد والصحفيين يسلطون الضوء على ما لم ينجزه بايدن من وعود كقانون حقوق التصويت والهجرة والأجور وإصلاح قانون العمل وغيرها، ما جعل الديمقراطيين يخشون أن يخسر الحزب الانتخابات النصفية للكونغرس كما خسر انتخابات تشرين الثاني الفائت.
قد يكون من الطبيعي ألا ينجز الرئيس كامل أجندته ومن الطبيعي أن يتعرض لانتكاسة ليس بالضرورة أن تفقده الانتخابات.
يبدو أن المشكلة تكمن حسب رأي علماء السياسة أنه مع قدوم جو بايدن إلى الحكم اعتقد الكثيرون أنه سيكون فرانكلين روزفلت الجديد مع برنامج جديد هو «نيو نيو ديل» new new deal الذي سيوجه البلاد نحو اليسار تيمناً بنيو ديل روزفلت بالثلاثينيات حيث تعزز تدخل الحكومة بالاقتصاد، وخاصة أن الشارع الأميركي الملون والمتعدد الإثنيات اليوم كان مناصراً للسيناتور بيرني ساندرز الذي كان يتنافس للفوز بترشيح الحزب الديمقراطي، ومع هذا الدعم الكبير للديمقراطيين من الشارع اعتقد الكثيرون أن بايدن سيكون رئيس بناء وتغيير مثل فرانكلين روزفلت ورونالد ريغان، وقد ساعدت الظروف التي تمر بها البلاد، كاقتصاد الجائحة وانهيار أسواق المال وحرائق كاليفورنيا، على إحداث التغيير وتوجيه البلاد نحو السياسات اليسارية: كمنح دعم مادي للعائلات وزيادة الضرائب على الأغنياء لدعم القطاع الصحي والمسنين ورعاية الأطفال، إضافة إلى الاستثمار في الطاقة النظيفة والبنى التحتية ووظائف اتحادية بأجور عالية.
ومع أن الرئيس جو بايدن حصل على 3 تريليونات دولار للإنفاق، إضافة إلى 2 تريليون آخرين، لم يستطع حتى الآن إنشاء نظام جديد، قد يكون من الصعب إنشاء نظام جديد في واشنطن ما لم يحصل تغيير في قانون التصويت وقانون العمل، فمثلاً مجلس الشيوخ ينتخب بأصوات الأقلية البيضاء لأن قانون الانتخاب يضع عراقيل أمام الأميركيين الأفارقة للتصويت، أما المحكمة العليا فهي من صنع رئيسين محافظين انتخبا بأصوات الأقلية البيضاء.
الطريقة الوحيدة للتغلب على هذه القوى غير الديمقراطية حسب رأي الخبراء، هي نقل المعركة إلى المجتمع، من خلال تقوية المشاركة الديمقراطية لكل الفئات على مستوى الولاية ثم على مستوى البلاد، لكن لا يبدو أن بايدن جاهز الآن للإقدام على خطوة كهذه.
ويثبت التاريخ أن الديمقراطيين لا يكترثون بالمشروع اليساري لقائدهم روزفلت «نيو ديل»، فقد أنهى الرئيس الديمقراطي جيمي كارتر 1977 الكثير من القوانين التي كان يعتمد عليها برنامج «نيو ديل» ويكون بهذا قد مهد الطريق أمام الرئيس رونالد ريغان لإنهاء مرحلة «نيو ديل» وبناء مرحلة جديدة «الريغانية» التي مازالت مستمرة حتى اليوم، فهل سيكون جو بايدن هو الرئيس الذي سيمهد لخلفه؟ أم إننا قد نشهد إعادة بناء لنظام جديد في عهد بايدن وخاصة أن فترته الرئاسية مازالت في بدايتها؟