اللغة العربية ما تزال تستمد عراقتها من القافية والوزن … الشعرُ لسان العرب في التّعبير عن أحوالهم وثقافتهم وصِفاتهم
| سارة سلامة
تعد اللغة العربية من أهم اللغات التي تحظى بجمهور عريض حول العالم، وعادة ما تقام الاحتفالات المختلفة في الأيام الدولية، وخاصة في المدارس والمراكز التعليمية.
وهي ركن من أركان التنوع الثقافي للبشرية. وإحدى اللغات الأكثر انتشاراً واستخداماً في العالم، إذ يتكلمها يومياً ما يزيد على 400 مليون نسمة من سكان المعمورة.
وفي إطار دعم وتعزيز تعدد اللغات وتعدد الثقافات في الأمم المتحدة، اعتمدت إدارة الأمم المتحدة للتواصل العالمي، قراراً عشية الاحتفال باليوم الدولي للغة الأم بالاحتفال بكل لغة من اللغات الرسمية الست للأمم المتحدة. وبناء عليه، تقرر الاحتفال باللغة العربية في 18 كانون الأول، لكونه اليوم الذي صدر فيه قرار الجمعية العامة 3190 (د-28) المؤرخ 18 كانون الأول 1973 المعني بإدخال اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل في الأمم المتحدة.
والغرض من هذا اليوم هو إذكاء الوعي بتاريخ اللغة وثقافتها وتطورها من خلال إعداد برنامج أنشطة وفعاليات خاصة.
عن الشعر وبحوره
حيث إن الشّعر يُعرف بأنّه شكل من أشكال الفنّ العربيّ الأدبيّ الذي ظهر منذ القِدَم، وهو تعبير إنسانيّ يتّسم بأنّه كلام موزون ذو تفعيلة مُحدّدة، ويلتزم بوجود القافية، ويَستخدم الصّور الشعريّة والفنيّة، ويلجأ إلى الرمزيّة، ويحمل في طيّاته أعمق المعاني، والتّشبيهات، وجمالَ الكلمات، ويكتبه الشّاعر ليُعبّر عن أفكاره ومشاعره ومُشكلاته، وما يؤمن به، والقضايا الإنسانية التي تروق له.
وقد كان الشعرُ لسانَ العرب في التّعبير عن أحوالهم وثقافتهم وصِفاتهم وتاريخهم وحروبهم، وعندما أصبح لكلامهم وزن سمّوهُ شعراً؛ لأن العرب شعروا به، وقال عنه ابن منظور: (الشّعر مَنظومُ القول غلب عليه؛ لشرفه بالوزن والقافية، وإن كان كلّ عَلم شعراً).
بحور الشّعر
بما أن الشّعر يُعرَف بأنّهُ كلامٌ موزونٌ له قافيةٌ مُعيّنةٌ؛ لذا فالقصائد الشعريّة تتبع وزناً مُعيّناً وتفعيلةً مُعيّنةً، ويُسمّى هذا النَّسَق بالبحر الشعريّ؛ فتكون أبيات القصيدة كلّها مَبنيّةً على تفعيلةٍ واحدةٍ تتبع بحراً مُعيّناً من بحور الشّعر العربيّ.
وبحور الشّعر ستّة عشر بحراً وهي: المُتدارَك والمُتقارِب والمُجتثّ والمُقتَضَب والمُضارِع والخفيف والمُنسرِح والسّريع والرَّمَل والرَّجَز والهَزَج والكامل والوافر والبَسيط والمَديد والطّويل.
أنواع الشّعر في اللّغة العربيّة وموضوعاته
تتنوّع كلّ قصيدةٍ شعريّةٍ عن غيرها من حيث الموضوع، والفكرة، والهدف المُراد من نظمها، ومن أهم المواضيع التي تتناولها القصائد ما يأتي: الشّعر المسرحيّ: وهو شعرٌ موضوعيّ، ويتميّز بالوحدة العضويّة؛ أي ترتيب الأحداث ترتيباً زمنياً أو سببيّاً، وقد ظهر في عام 1870، وهو عبارة عن مسرحيّات كُتِبَت بشكل شعريّ أو نثر مَسجوع، وتكثر فيها المَقطوعات الغنائيّة. الشّعر الملحميّ: وهو شعر أسطوريّ ازدهر في عصر الشّعوب الفطريّة، وتميز في خلط الواقع والخيال والحكاية والتّاريخ، ويُعالج الشّعر الملحميّ بشكلٍ عامّ موضوعاً بطوليّاً يرتكز على فكرة قوميّةٍ، كما يتضمّن الشّعر الملحميّ في الغالب فكرةَ الحرب والدّفاع عن البلاد، وتمجيد أبطال الحرب. الشّعر الغنائيّ: وهو شعر ذاتيّ يُعدّ من أقدم ألوان الشّعر، ويُطلَق عليه اسم الشّعر الوجدانيّ، ويتّسم بارتباطه بالموسيقا والغناء، وبالتّعبير عن العواطف البَحتة؛ كالحبّ والحزن والفرح والبُغض. الشّعر القصصيّ: ويتّسم هذا النّوع من الشّعر بأنّه يُقدّم قصّةً على شكل شعر، وتتوافّر فيه كامل عناصر القصّة الأساسية المُتمثّلة في السّرد، وتقديم أحداث القصّة، والوصف في إبراز صفات الأشخاص والحوار والنّهاية.
قالوا في العربية
وقيل في اللغة العربية أشعار عدة منها.. شاعر النيل حافظ إبراهيم في قصيدة اللغة العربية الشهيرة:
«رَجَعتُ لِنَفسي فَاتَّهَمتُ حَصاتي.. وَنادَيتُ قَومي فَاحتَسَبتُ حَياتي..
رَمَوني بِعُقمٍ في الشَبابِ وَلَيتَني.. عَقِمتُ فَلَم أَجزَع لِقَولِ عُداتي..
وَلَدتُ وَلَمّا لَم أَجِد لِعَرائِسي.. رِجالاً وَأَكفاءً وَأَدتُ بَناتي..
وَسِعتُ كِتابَ اللـه لَفظاً وَغايَةً.. وَما ضِقتُ عَن آي به وَعِظاتِ..
فَكَيفَ أَضيقُ اليَومَ عَن وَصفِ آلَةٍ.. وَتَنسيقِ أَسماءٍ لِمُختَرَعاتِ..
أَنا البَحرُ في أَحشائِهِ الدُرُّ كامِنٌ.. فَهَل سَأَلوا الغَوّاصَ عَن صَدَفاتي..
فَيا وَيحَكُم أَبلى وَتَبلى مَحاسِني.. وَمِنكُم وَإِن عَزَّ الدَواءُ أَساتي..
فَلا تَكِلوني لِلزَمانِ فَإِنَّني.. أَخافُ عَلَيكُم أن تَحينَ وَفاتي..
أَرى لِرِجالِ الغَربِ عِزّاً وَمَنعَةً.. وَكَم عَزَّ أَقوامٌ بِعِزِّ لُغاتِ..
أَتَوا أَهلَهُم بِالمُعجِزاتِ تَفَنُّناً.. فَيا لَيتَكُم تَأتونَ بِالكَلِماتِ..
أَيُطرِبُكُم مِن جانِبِ الغَربِ ناعِبٌ ينادي بوأدي في ربيع حياتي».
وقال الشاعر سليمان العيسى في مدح اللغة العربية:
«أنـا مـا بَرِحْتُ.. تألُّقـاً وسَـنَا.. لُغَـةُ العُروبــةِ والبَقَـاءِ أنَـا.. في بُـرْدِيَ التـاريخُ.. أنْسُــجُهُ.. شِـعْراً ونَثْـراً.. أبْهَـرُ الزَّمَنَـا.. أطْوِي العُصُورَ.. وما شـكَوْتُ بِها.. في بُنْيَتِـي ضَـعْفاً ولا وَهَنَــا.. عُمْرِي هُوَ التـاريخُ.. لا تَسَـلُوا.. عـن مَوْلِدي.. في فَجْرِهِ اقْتَرَنا.. ضِــعْتُمْ عَنِ الدُّنيـا.. وضَيَّعَني.. عَنـكُمْ سَـوَادُ الليـلِ مَـرَّ بِنـا.. هُـوَ عابِـرٌ.. لُمُّـوا شَــتَاتَكُمُ.. وتَشَــبَّثُوا بِروائِعـي وَطَنــا.. عُــودوا إلى صَدرِي أُوَحِّـدُكُمْ.. أنـا أُمُّكُـمْ.. أم اللُّغَـاتِ أَنــا.. وسَـلُوا الحضَارةَ.. أي سـاطعةٍ.. في الفكـرِ لم أصْلُحْ لها سَــكَنا؟».
عن العربية
وتتيح اللغة العربية الدخول إلى عالم زاخر بالتنوع بجميع أشكاله وصوره، ومنها تنوع الأصول والمشارب والمعتقدات، كما أنها أبدعت بمختلف أشكالها وأساليبها الشفهية والمكتوبة والفصيحة والعامية، ومختلف خطوطها وفنونها النثرية والشعرية، آيات جمالية رائعة تأسر القلوب وتخلب الألباب في ميادين متنوعة تضم على سبيل المثال لا الحصر الهندسة والشعر والفلسفة والغناء. وسادت العربية لقرون طويلة من تاريخها بوصفها لغة السياسة والعلم والأدب، فأثرت تأثيراً مباشراً أو غير مباشر في كثير من اللغات الأخرى في العالم الإسلامي، مثل: التركية والفارسية والكردية والأوردية والماليزية والإندونيسية والألبانية وبعض اللغات الإفريقية الأخرى مثل الهاوسا والسواحيلية، وبعض اللغات الأوروبية وخاصةً المتوسطية منها كالإسبانية والبرتغالية والمالطية والصقلية.
وفضلاً عن ذلك، مثلت حافزاً إلى إنتاج المعارف ونشرها، وساعدت على نقل المعارف العلمية والفلسفية اليونانية والرومانية إلى أوروبا في عصر النهضة، كما أتاحت إقامة الحوار بين الثقافات على طول المسالك البرية والبحرية لطريق الحرير من سواحل الهند إلى القرن الإفريقي.