في عام 2011 أشعل العدو الإسرائيلي، بالتعاون مع ثلة من المتآمرين تضم فيما تضم، أميركا وتركيا وفرنسا والسعودية وقطر، النار تحت طبخة الحصى في سورية، عبر افتعال أزمة انطلقت شرارتها من درعا وقاموا بنقلها إلى العديد من الجغرافيا السورية، ونقول «طبخة حصى» لأن العدو ومن لف لفيفه يدرك جيداً أن ما يطبخ في قدر تلك المؤامرة ليس سوى جملة من الافتراءات والأضاليل، لكن من خلالها يمكنهم جر العديد من خونة الداخل، وأصحاب الرؤوس الحامية الحاقدة، ليكونوا أدوات، تحت ادعاء أن الطبخة دسمة، وما سينالهم منها وفير، يحقق غاياتهم في الحصول على مصالح شخصية ولو على حساب وحدة وأمن واستقرار الوطن الأم، وبالطبع فإن هدف العدو الإسرائيلي ليس الطبخة تلك، بل ما سينتج عن النار التي تشتعل تحتها من تدمير لسورية، وتفتيت لمكونات الدولة، وصولاً إلى إزاحتها من صف المواجهة، وأتباعها إلى الحظيرة الإسرائيلية.
ماذا جرى بعد أكثر من عشر سنوات؟ أيقن العدو الإسرائيلي خطأ حساباته في معادلته العدوانية تجاه سورية، وأن النار التي حاول نشرها في أنحاء سورية، سرعان ما عمل الجيش العربي السوري والشعب والقيادة على السيطرة عليها، بل وتبريد الأغلبية العظمى من الأرض التي أتت عليها نيران حربهم الإرهابية، وهو ما انعكس بعد فترة وجيزة من بدء الحرب الإرهابية بتقديم الدعم المباشر للمجموعات الإرهابية في الجبهة الجنوبية الغربية من سورية، ولاحقا بشكل غير مباشر بسلسلة من العدوان على مناطق سورية، العسكرية والاقتصادية.
اليوم يبدو أن الخناق ضاق كثيراً على رقاب قادة العدو الإسرائيلي، وأدركوا أن زمام الأمور بات تهرب من بين أيديهم، وبأن أمور المنطقة ذاهبة إلى الانفراج، انفراج يشكل بالنسبة لهم معضلة وأزمة لأن كيانهم قائم على المشاكل والأزمات في المنطقة، فأيقن قادة الاحتلال أن ملف إيران النووي بات قاب قوسين من الحل، وبأن إيران استطاعت بصبرها وصمودها أن تنال ما تنشده من حق، وبأن سورية، بدأت بالتعافي شيئاً فشيئاً، مع إقدام الولايات المتحدة الأميركية على إحداث فتحة في جدار «قيصر» الظالم، وبأن المحيط العربي أدرك أخيراً ومؤخرا أن ما أقدم عليه من تعليق عضوية سورية في الجامعة العربية، خطيئة أضرت بسورية وبالعرب وبتعاونهم واستقلال قرارهم، لكون دمشق كانت دائماً وأبداً رأس الحربة في الدفاع عن الحق واستقلالية القرار العربي، حقيقة أكدها بالأمس الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط بقوله: إن التكامل الإقليمي لسورية ووحدة ترابها، أمورٌ ثابتة في القانون الدولي ولا تخضع للمساومة أو التشكيك.
يقين العدو بقرب إعلان دمشق عن النصر النهائي، دفعه إلى التصعيد من عدوانه، وتحول إلى استهداف البنى الاقتصادية، بعد تسليمه بأن تدمير القوة العسكرية لسورية أمر محال، فعمل وبأقل من شهر إلى شن عدوانين على مرفأ اللاذقية التجاري، عله بذلك يقطع الشريان الاقتصادي لسورية، ويخنق الشعب السوري أكثر فأكثر، وبالطبع هذا الأمر لا يمكن فصله عن مخطط ضرب مرفأ بيروت، لإخراج جميع المنافذ البحرية التي يمكن لسورية استخدامها لاحقا، وبذلك تتمكن قوى العدوان من استصدار قرار بإدخال جميع المساعدات والبضائع إلى سورية عبر منفذ بديل يكون مرفأ مرسين أو إسكندرون، ما يتيح للنظام التركي التحكم بقوت الشعب السوري، ويمكنه من إدخال المساعدات لتنظيماته الإرهابية في سورية كما يشاء.
وبالعودة إلى طبخة الحصى، يبدو أن من بقي حتى الآن من الأدوات وفي مقدمهم ميليشيات «قسد»، بانتظار نضوجها، ممني النفس بالحصول على «طبق» منها، رغم اكتشافه أن ما يعد له من طعام ليس سوى «حصى»، إلا أن ذاك الانتظار لن يكون طويلاً، فالخيار لم يعد ملك يديه، وعليه الاختيار بين إحدى ضفتين، والتخندق في أحد الخندقين، إما مع الاحتلال الأميركي والمشروع الصهيوني، أو مع الوطن، ومشروع الوحدة الوطنية، وهو ما أكده وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف حين قال: «يتعين على الأكراد أنفسهم، ولاسيما ذراعهم السياسية المتمثلة بـ«حزب الاتحاد الديمقراطي» و«مجلس سورية الديمقراطية- مسد»، أن يقرروا نهجهم وأن يتخذوا موقفاً مبدئياً».
كلام لافروف كان بمنزلة التنبيه، وهو صادر عن دبلوماسي محنك، حيث يعتبر التنبيه في اللغة الدبلوماسية بمنزلة «تهديد» في الكلام العسكري، وهو ما ظهر جلياً لاحقاً في بلدة تل السمن حيث القاعدة الروسية شمال الرقة، حين رفض الجانب العسكري الروسي استقبال متزعمين عسكريين وسياسيين «كبار» من ميليشيات «قسد» في رسالة تعكس استياء موسكو من توجهات وممارسات «قسد» المصرة على السير في ركب وإملاءات الإدارة الأميركية.
من نافلة القول: إن النار الإرهابية للعدو الإسرائيلي قد تم إخمادها، وإن انتظار ميليشيات «قسد» وجميع أخوتها من أدوات للمستعمر لأن تنضج طبخة الحصى سيطول كثيراً، حد الوصول إلى لحظة لن يجدوا حولهم أي وسيلة للحصول على ما يسد رمقهم ويساعدهم على البقاء، ومن المؤكد أن الوقت قد اقترب من النفاد وما عادوا يملكون ترف اللعب على أوتاره.