المبادرة الروسية الأممية.. هل يُكتب لها النجاح؟!
باسمة حامد :
ثمة قرار روسي حاسم لاستكمال المواجهة مع الإرهاب حتى النهاية، وهذا الاستنتاج يتضح من خلال الدعوات الروسية المتكررة لتشكيل «جبهة واسعة لمحاربة الإرهاب على أساس معايير ومبادئ القانون الدولي وبنود ميثاق الأمم المتحدة».
وما يعزز وجود هذا القرار أن الدعوة الروسية أطلقت من الخارجية ومجلس الدوما في وقت واحد وبالتزامن مع الرسائل الصارمة التي وجهها الرئيس بوتين على خلفية معطيات حول أسباب تحطم الطائرة الروسية المنكوبة فوق سيناء واعتبارها «من ضمن الأعمال الإرهابية الأكثر دموية في تاريخ روسيا».
ومع الملاحظة أن الإدارة الأميركية تحاول منع روسيا من التفرد برسم المشهد في المنطقة (جون كيري كشف عن عملية مشتركة مع تركيا لإغلاق حدودها مع سورية، وأوباما سيستبق قمة بوتين هولاند بقمة مع الرئيس الفرنسي يوم26 من الشهر الجاري)، إلا أن موسكو تسعى لتنفيذ مبادرتها الأممية بشقيها العسكري والسياسي وذلك عبر ما يلي:
1- استثمار المناخ الدولي الجديد لتكثيف ضرباتها الجوية ضد معاقل التنظيمات الإرهابية واتخاذ جميع الوسائل لتطويقها والقضاء عليها.
2- العمل لجرّ الآخرين إلى ساحة المواجهة بشكل قانوني، حيث نجحت باختراق محور واشنطن عبر التنسيق الجوي والبحري مع الجانب الفرنسي بطلب من الرئيس هولاند.
3- الاعتماد على عامل الضغط الشعبي لدفع القادة الغربيين نحو تغيير سياساتهم في ضوء هجمات باريس التي شكلت جرس إنذار للمجتمعات العالمية (الغربية والعربية والإقليمية) بشأن ضرورة وضع حد لسياسة المراوغة التي تنتهجها الحكومات الحليفة لواشنطن حيال المسائل المتعلقة بالإرهاب.
ورغم بقاء العامل «الإسرائيلي» حاضراً في أي قرارات ستُتخذ بهذا الشأن سيبقى السؤال عن مدى استجابة «المجتمع الدولي» للدعوة الروسية مطروحاً إلى حين، إلا أن الجواب الواقعي يُقرأ من عناوين عدة لعل أبرزها أن ما جرى في العاصمة الفرنسية سيلقي بظلاله المباشرة على المواقف الدولية، فالقارة الأوروبية المهتمة حالياً بالإستراتيجيات الروسية بدأت عملياً تدفع ثمن السياسات الخاطئة للولايات المتحدة بالشرق الأوسط، وهي تواجه أزمات أمنية واقتصادية وثقافية متعددة الأوجه، هجمات إرهابية ارتدادية وتطرفاً ومظاهر عنف وعنفاً مضاداً ولجوءاً، وتجارة سلاح وظاهرة «الجهاديين الأجانب»!!
والحقيقة أن الأخطاء الأميركية القاتلة التي تسببت بتحول التنظيمات الإرهابية إلى «جيش من المسلحين لا يمثلون أياً من الحضارات، ويهددون العالم برمته» باتت تثير انتقادات واسعة حتى في قلب أميركا والدعوات إلى تصحيحها لا تتوقف، وخصوصاً أن نجاح «داعش» في وضع الفرنسيين ضمن سيناريو 11 أيلول فرنسي سيشجع التنظيم الإرهابي على تكرار التجربة مرات أخرى دون توافر حصانة لأي بلد في العالم من «الغزوات الداعشية».
وفي ظل هذه القراءة، لم يكن كلام ديفيد كاميرون عن «الحل الوسط في سورية» إلا انعكاساً لهذه الحقيقة، كما أن «ترحم» الفرنسيين على زعيمهم الراحل شارل ديغول بعد اللحظات المروعة التي عايشوها «ليلة القبض» على باريس، ليس إلا مؤشراً واضحاً على وجود اكتشاف شعبي لحجم غباء رئيسهم الأقل شعبية في تاريخ الجمهورية الخامسة وحالة عدم رضا عامة من سياساته الخارجية.
ولعل دعوة فرانسوا هولاند في البرلمان الفرنسي لتوحيد الجهود بين محوري واشنطن وموسكو على أساس أن عدوه في سورية هو «داعش وليس الرئيس السوري بشار الأسد»، والاعتراف الصريح لرئيس وزرائه مانويل فالس: «على الأجيال الجديدة التعود على الحياة تحت ضغط التهديدات الإرهابية لوقت طويل».. يثبت بوضوح حاجة الغربيين الماسة لإيجاد «لغة مشتركة مع روسيا».
وفي هذا السياق، لا يمكن استبعاد الانتقادات الموجهة لباراك أوباما من ضباط سابقين في وكالة الاستخبارات الأميركية (سي آي إيه) بخصوص إستراتيجيته «غير النافعة» لمحاربة «داعش»، فمايكل موريل الذي كان يشغل منصب نائب مدير الوكالة يؤكد أن «الوقت قد حان للنظر في شيء آخر».
وبمقاربة تتقاطع مع الرؤية الروسية لحل «الأزمة» دعا رئيس بلاده إلى إعادة النظر في سياساته اتجاه سورية واعتبار «الرئيس بشار الأسد جزء من الحل»، ونصحه «بالتعاون» مع الجيش العربي السوري الذي «ينسق» مع روسيا على الأرض، فهذا الخيار – على حد تعبيره- «قد يعطينا أفضل النتائج»!!
وفرص التوصل «لأفضل النتائج» تبدو متاحة للجميع بالنظر إلى أهمية الجيش العربي السوري كقاعدة ارتكاز في هذه المواجهة العالمية وإلى انفتاح دمشق واستعدادها للتعاون والتنسيق الأمني مع أي دولة «جادة» في هذه المسألة بما فيها فرنسا أحد أكثر الدول الداعمة للجماعات الإرهابية، لكن استثمار الدور السوري في هذا المجال لن يكون مجانياً، إذ سيتعين على دول العالم أخذ شروط موسكو بعين الاعتبار أي: «نبذ كل الذرائع والأعذار والشروط المسبقة من أجل التركيز على مهمة تشكيل جبهة موحدة شاملة ضد الإرهاب».