وطَني دائماً على حق، عبارة باتَ التمسكَ بها أشبهَ بالقابضِ على جمرٍ من النار. سنوات من الحرب كنا نتحدث فيها عن اختلافنا كسوريين بين من هو تحت مظلة الوطن، ومن هم تحت مظلة سفارات أعدائه. اليوم بدأ يحدث ما هو أخطر بينَ المتفقين على النظرة تجاه الوطن أولاً. متناقضون مختلفون حتى بتشريحِ مآسيهِ وأسباب دماره، لكن إيانا أن نختلفَ على حقوقه، عندها تتبعثر الأفكار وأنتَ محاط بينَ مواقفَ تعجز عن إيجاد ما يجمعها، تحديداً عندما يحاول كل طرف أن يسجلَ نقاطاً بطريقةٍ ما على الطرفَ الآخر.
الطرف الأول ما زالَ يرى أن أي عبارةٍ مكتوبة هي تعبير عن الرأي، متى سندرك أن هناك فرقاً بين التعبير عن الرأي والتطاول، هل حقاً أن وصف المؤيدين بكونهم «قطعاناً» يدخل في مصافِ حرية الرأي؟ سُحقاً لهكذا حرية توازي في النظرة بين من يظن نفسه مؤيداً للوطن وبين الإرهابي التكفيري؟!
في الطرف الثاني، نفهم تماماً بأننا في لحظاتٍ حاسمة ومرحلةٍ دقيقة، لكن هذا التذكير يجب ألا يشمل المواطن فقط، هذا التذكير يجب أن يشمل كل ما يمكن لهُ أن يستفز المواطن، من تصريحاتٍ ووعودٍ لا تنفَّذ، مروراً بمقارنات اقتصادية باتت تسيء للمسوِّغات الحكومية برفع الدعم أكثر مما تفيدها، وصولاً إلى عدم إحساس المواطن بتلقي من سرقوا قوته الجزاء العادل.
فعلياً نحن بحاجةٍ لحلٍّ وسط يجعلنا نكسب كلاهما كمكمِّل لاستعادة الوطن، على البعض أن يستوعب بأن إصراره على المزج بين حرية الرأي والإساءة أو الاتهامات التي لا تستند إلى أدلة هو إسفين في جسد الوطن لا الحكومة، الحكومات تزول والوطن باقٍ، إن غرق فسنغرق ولن تقوم لنا قائمة. أما الطرف الآخر فعليه أن يتذكر بأن نجاتنا هي نجاة للوطن لا نجاة للحكومة، بصمود أبناء الوطن الذين ينتظرون فرصةَ تحويل بلدهم على الطريقة التي توازي صمودهم، لا تلكَ التي تعيدهم عقوداً إلى الخلف.
لنعترف بأن الشرخَ بدأ يكبر ويتعاظم، هذا ليس من باب اليأس، فمن أتعبته رياح اليأس العاتية فليتذكر امتلاكه جبال الصبر، لكنها رؤية واقعية لوطنٍ بتنا نختلفُ فيهِ حتى على حقوقه، ولكي تتضح الصورة أكثر عليكم فقط أن تتابعوا ما يُكتب هنا وهناك بعد كل اعتداءٍ إسرائيلي، فسترونَ درساً عملياً ليسَ في تدهور مفهوم حرية الرأي فحسب، لكن حتى في الاختلاف على حقوقِ الوطن، ولمن لم يستطع حتى الآن التمييز بين هذه المفاهيم سأقول له ببساطة: هل أتاكَ حديث الجدة الفاضلة أم حاتم؟
امرأة سورية أصيب منزلها بالكثير من الشظايا خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على مدينةِ دمشق، لكنها ظهرت في فيديو توجّه فيه بوصلتها نحو العدو الحقيقي، من دون أن تمسَّ حقوق الوطن رغمَ ما فقدته في هذه الغارة.
هي ليست نخبة مثقفة، وليست محللاً سياسياً، هي ليست جزءاً من الحكومة، هي ببساطة سنديانة من سنديانات هذا الوطن، ولو كان الأمر بيدي لطلبت تعيينها مدرِّسة في كلية الإعلام عساها تعطي من لم يفهم بعد معنى أن تكون الكلمة كالرصاصة، أو معنى أن يكون كتم الغيظ تضحية من أجل الوطن لا من أجلِ الحكومة، والأهم كيفَ يكون وطني دائماً على حق، فالوطن لا يشيخ.