موسكو تعترف رسمياً باستقلال جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك … بوتين: أميركا وحلفاؤها لا يريدون وجود دولة كبيرة مثل روسيا … الاتحاد الأوروبي: سنرد بشكل حازم.. «الناتو»: يضعف جهود حلّ النزاع.. واشنطن: سنرد بالعقوبات
| وكالات
ارتفعت حدة السخونة الدولية وللمرة الأولى على نحو لم يعهده العالم منذ أيام ما قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية، وبلغ منسوب التصعيد الميداني والسياسي حدوداً غير مسبوقة، ترافقت مع خطوات روسية كبيرة باتجاه الوقوف في وجه المحاولات الغربية الأميركية المتواصلة للتحرش بحدود أمنها القومي، لتستنفر دوائر القرار الدولي من أوروبا وصولاً إلى واشنطن، على وقع خطوة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بإعلان اعتراف بلاده باستقلال جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين عن أوكرانيا.
الخطوة الروسية والتي ستعني بطبيعة الحال استعداداً روسياً لإرسال تعزيزات عسكرية للدفاع عن الجمهوريتين بوجه القصف الأوكراني المتواصل، لاقت ردود أفعال غربية قوية لم تتجاوز حدود اتخاذ قرارات جديدة بفرض عقوبات على موسكو، بدا أن الأخيرة جاهزة لها كما هي جاهزة إلى أبعد من هذه الخطوات.
وعقب الانتهاء من كلمته التي وجهها للشعب الروسي وقع الرئيس بوتين، على مرسومين يقضيان باعتراف روسيا باستقلال جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك، وجرت مراسم التوقيع على الوثيقتين في الكرملين بحضور رئيسي جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك، دينيس بوشيلين ودينيس باسيتشنيك.
كما وقع بوتين مع بوشيلين وباسيتشنيك على اتفاقين منفصلين حول الصداقة والتعاون والمساعدة بين روسيا من جهة وجمهوريتي دونيتسك ولوغانسك من جهة أخرى.
وفي وقت لاحق أعلن الكرملين أن الاتفاقية تسمح للقوات الروسية القيام بمهمة ضمان السلام في الجمهوريتين، وقال إن الرئيس بوتين طلب من وزارة الدفاع الاتفاق مع دونيتسك ولوغانسك بما يسمح لها بالدخول لضمان السلام فيهما.
وقال بوتين في خطابه الذي وجهه أمس إلى الروس: «أوكرانيا بالنسبة لنا ليست بلاداً مجاورة عادية، بل هي جزء لا يتجزأ من تاريخنا وثقافتنا ومجالنا الروحي، نطالب أولئك الذين استولوا على السلطة واحتفظوا بها في كييف بوقف القتال فوراً، وإلا، فإن المسؤولية الكاملة عن استمرار إراقة الدماء ستقع بالكامل على النظام الحاكم في أوكرانيا».
الرئيس الروسي رد على تصريحات الرئيس الأوكراني المتعلقة بالأسلحة النووية بالقول: «أوكرانيا تستطيع أن تصنع أسلحتها النووية ببساطة، خصوصاً مع تقديم مساعدات من الخارج، وهذا أمر لا نستبعده، هذا سيغير وضع أوروبا بالكامل، الوضع في العالم سيتغير بشكل جذري مع ظهور مثل هذه الأسلحة ولا يسعنا إلا أن نرد على ذلك، والغرب سيقدم الدعم، رأينا قوافل المساعدات العسكرية تأتي إلى أوكرانيا، ومعها ضباط من الناتو، أي إن القرار سيكون لدى الناتو في أوكرانيا».
وأوضح أن «الوحدات الأوكرانية تشارك في تدريبات حلف الناتو، ويمكن قيادتها مباشرةً من مقارّ الحلف»، مبيناً أن «الحلف الأطلسي يستخدم الأجواء الأوكرانية من أجل استطلاع الأراضي الروسية»، وأضاف: إن «ما يجري الآن في أوكرانيا هو تبديل تسمية القواعد العسكرية للناتو ببعثاتٍ عسكريةٍ».
وأكّد الرئيس الروسي أن «انضمام أوكرانيا المحتمل إلى حلف شمال الأطلسي يشكّل خطراً على روسيا»، مضيفاً: إن «واشنطن تنفّذ مخططاتٍ جيوإستراتيجية في دول أوروبا الشرقية».
وذكّر بوتين بأن «الناتو بدأ، في بداية القرن الـ21، تعزيزَ قدراته العسكرية في شرق أوروبا ووسطها»، وأنَّه «استمر في توسّعه إلى أن وصل إلى الحدود الروسية»، موضحاً أن بلاده «ترى الخطوات التطبيقية للناتو من خلال دعم الإرهابيين في القوقاز، والتمدّد نحو الشرق»، وقال:«لايريدون وجود بلد كبير مثل روسيا وهذا هدف الولايات المتحدة وحلفائها».
وأشار الرئيس الروسي إلى أن «النظام الدفاعي لأميركا يتوسّع من خلال نشر المنظومات الصاروخية، التي قد تصل إلى أوكرانيا»، كاشفاً أنه «تمَّ نشر طائرات تكتيكية للناتو في عدد من المطارات الأوكرانية، وأنَّ هذه الطائرات يمكنها استهداف روسيا».
وأكَّد بوتين أن «روسيا تؤيّد حلّ المشاكل مهما كانت معقَّدة عبر الحوار، دبلوماسياً وسياسياً»، مكرراً أن «ردّ الناتو على ضماناتنا الأمنية كان ثانوياً، ويتجاهل الأمور الأساسية»، وأنَّ «موقف الحلف لم يتغير بشأن التمدّد والتوسّع»، مشدداً على أن «من حقّ روسيا اتّخاذَ القرارات للمحافظة على أمنها».
ردود الأفعال الغربية على قرار الرئيس الروسي لم تنتظر سوى دقائق، ووصف رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون الاعتراف بأنه انتهاك خطير لوحدة أراضي أوكرانيا، فيما اعتبرت وزيرة خارجيته ليز تروس بأن هذه الخطوة إشارة إلى نهاية عملية مينسك، وانتهاك لميثاق الأمم المتحدة، وبأن روسيا اختارت مسار المواجهة بدل الحوار.
بدورها قالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين أن هذا الاعتراف خرق للقانون الدولي وسيادة أوكرانيا، متوعدة برد حازم على ما قامت به موسكو.
بدوره أعلن البيت الأبيض أن الرئيس الأميركي جو بايدن سيصدر أمراً تنفيذياً يحظر على الأميركيين أي تعاملات تجارية أو مالية مع دونيتسك ولوغانسك، مبيناً أن هذا الأمر الذي كان متوقعاً يخول فرض عقوبات على أي شخص يعمل في تلك المناطق من أوكرانيا، معتبراً بالوقت ذاته بأن هذه الإجراءات منفصلة عن تدابير اقتصادية سريعة نعدها بالتنسيق مع الحلفاء إذا حدث غزو روسي!
من جهته أدان أمين عام الناتو ينس ستولتنبرغ الاعتراف الروسي معتبراً أنه شكل إضافي لانتهاك سيادة أوكرانيا وسلامة أراضيها ويضعف الجهود الرامية لحلّ النزاع، في وقت دعت فيه الخارجية الألمانية روسيا للتراجع عن الاعتراف بمناطق في شرق أوكرانيا كيانات مستقلة.
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون طالب بعقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن لبحث الأزمة الأوكرانية وبفرض عقوبات أوروبية محددة الأهداف.
وكان وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، دعا نظيره الروسي سيرغي لافروف، من أجل زيارة باريس في الـ25 من شباط الجاري، لعقد اجتماعاتٍ تحضيريةٍ للقمة المقررة مبدئياً بين الرئيسين إيمانويل ماكرون وفلاديمير بوتين، ووافق لافروف على هذه الدعوة، حسب بيانٍ لوزارة الخارجية الفرنسية.